ومنهم من تمسّك بأن قال : إنما حذفوا علامة التأنيث من «طالق» ونحوه
______________________________________________________
وغيرها ، كل هذا على المجاز ، والمنون : المنية وهي الموت ، وأنى : أي أدرك وبلغ مداه ، وقوله «ولكل حاملة تمام» تذييل ، يريد أن لكل حمل مدة ينتهي فيها وتتم مدته. ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله «حاملة» حيث جاء بهذا الوصف متصلا بتاء التأنيث مع أنه خاص بالإناث لا يوصف به غيرهن ، وذلك لأنه جعله وصفا جاريا على الفعل ، على نحو ما ذكرناه في الشواهد السابقة ، قال ابن منظور «وامرأة حامل وحاملة ، على النسب وعلى الفعل (يريد أنه يقال حامل على النسب ، ويقال حاملة على الفعل ، فهو على طريق اللف والنشر) الأزهري : امرأة حامل وحاملة ؛ إذا كانت حبلى ، وفي التهذيب : إذا كان في بطنها ولد ، وأنشد لعمرو بن حسّان :
* تمخّضت المنون ... البيت*
فمن قال حامل ـ بغير هاء ـ قال : هذا نعت لا يكون إلا للمؤنث ، ومن قال حاملة بناه على حملت فهي حاملة ، فإذا حملت المرأة شيئا على ظهرها أو على رأسها فهي حاملة لا غير ، لأن الهاء إنما تلحق للفرق ، فأما ما لا يكون للمذكر فقد استغنى فيه عن علامة التأنيث ، فإذا أتى بها فإنما هو على الأصل ، قال : هذا قول أهل الكوفة ، وأما أهل البصرة فإنهم يقولون : هذا غير مستمر ؛ لأن العرب قالوا : هذا رجل أيم ، وامرأة أيم ، ورجل عانس ، وامرأة عانس ، على الاشتراك ، وقالوا : امرأة مصبية ، وكلبة مجرية ، مع غير الاشتراك ، قالوا : والصواب أن يقال : قولهم حامل وطالق وحائض وأشباه ذلك من الصفات التي لا علامة فيها للتأنيث ، فإنما هي أوصاف مذكرة وصف بها الإناث ، كما أن الربعة والراوية والخجأة أوصاف مؤنثة وصف بها الذكران» اه كلامه ، وهو كلام غير محدود ولا معلل ، وخلاصته أن الأصل أن يكون وصف المؤنث بعلامة تأنيث ، ووصف المذكر بغير علامة ، ولكنهم قد يعكسون فيجعلون وصف المذكر مقترنا بعلامة التأنيث ووصف المؤنث خاليا من علامة التأنيث ، والكلام الدقيق هو ما قاله أبو البقاء بن يعيش في شرح المفصّل (ص ٦٩٥) وذلك قوله «اعلم أنهم قالوا : امرأة طالق وحائض وطامث وقاعد للآيسة من الحيض ، وعاصف في وصف الريح من قوله تعالى : (جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ) فلم يأتوا فيه بالتاء وإن كان وصفا للمؤنث ، وذلك لأنه لم يجر على الفعل ، وإنما يلزم الفرق ما كان جاريا على الفعل ؛ لأن الفعل لا بد من تأنيثه إذا كان فيه ضمير مؤنث ـ حقيقيا ـ كان أو غير حقيقي ـ نحو هند ذهبت ، وموعظة جاءت ، فإذا جرى الاسم على الفعل لزمه الفرق بين المذكر والمؤنث كما كان كذلك في الفعل ، وإذا لم يكن جاريا على الفعل كان بمنزلة المنسوب ، فحائض بمعنى حائضي ـ أي ذات حيض ـ على حد قولهم : رجل دارع ، أي دارعي ـ بمعنى صاحب درع ـ ألا ترى أنك لا تقول درع فتجريه على فعل ـ كفرح ـ إنما قولك دارع أي ذو درع ، وطالق أي أن الطلاق ثابت فيها ، ومثله قولهم : مرضع ، أي ذات رضاع ، ومنه قوله تعالى : (السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ) أي ذات انفطار ، وليس ذلك على معنى حاضت وانفطرت ، إذ لو أريد ذلك لأتوا بالتاء وقالوا : حائضة غدا ، وتطلق غدا ، ومنه قوله تعالى : (يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ) وقوله تعالى : (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً) وقول الشاعر :
رأيت جنون العام والعام قبله |
|
كحائضة يزني بها غير طاهر |