فكذلك هاهنا ، وهذا هو الجواب عن قول الآخر :
... ولكن |
|
مرحبا بالرّضاء منك وأهلا [٤٥٧] |
لأن «الرضاء» مصدر راضيته مراضاة ورضاء ، فلا يكون فيه حجة.
وأما قولهم [٣١٩] «إنه يجوز إشباع الحركات فتنشأ عنها الحروف ـ إلى آخر ما ذكروه» فنقول : الفرق بينهما ظاهر ، وذلك أن إشباع الحركات هناك يؤدّي إلى تغيير واحد ، وهو زيادة هذه الحروف فقط ، وأما هاهنا فإنه يؤدّي إلى تغييرين : زيادة الألف الأولى ، وقلب الثانية همزة ؛ وليس من ضرورة أن يجوز ما يؤدي إلى تغيير واحد أن يجوز ما يؤدي إلى تغييرين أو أكثر من ذلك.
وأما ما ذهب إليه الفراء ـ من اشتراطه في قصر الممدود أن يجيء في بابه مقصور ـ فباطل ، لأنه قد جاء القصر فيما لم يجىء في بابه مقصور ، قال الشاعر :
[٤٦٠] والقارح العدّا وكلّ طمرّة |
|
ما إن تنال يد الطّويل قذالها |
فقصر «العدّاء» وهو فعّال من العدو ، وفعّال لتكثير الفعل ، نحو
______________________________________________________
مقصور ، فإذا صحت رواية هذه القراءة دل على جواز مد المقصور في سعة الكلام ، ولم يقصر الجواز على الضرورة.
[٤٦٠] هذا هو البيت السادس والعشرون من قصيدة للأعشى ميمون مطلعها قوله (وانظر ديوانه ص ٢٢ ـ ٢٧) :
رحلت سمية غدوة أجمالها |
|
غضبى عليك ، فما تقول بدا لها؟ |
وقبل البيت المستشهد به قوله :
الواهب المائة الهجان وعبدها |
|
عوذا تزجى بينها أطفالها |
وأنشد ابن منظور بيت الشاهد (ع د ا) وعزاه إليه ، غير أنه روى عجزه «لا تستطيع يد الطويل قذالها» ورواية الديوان كرواية المؤلف ، والعوذ ـ بضم العين ـ جمع عائذ ، وهي الحديثة النتاج ، والقارح : أراد به الفرس الذي اكتمل سنه ، والطمرة ـ بكسر الطاء والميم جميعا مع تشديد الراء ـ الوثابة ، ويقال : هي المشرفة ، أي العالية ، وهذا هو الذي يتناسب مع عجز البيت ، ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله «العدا» فإن أصله «العداء» صيغة مبالغة فعلها عدا يعدو ، فأصله ممدود قياسي ، ولكن الشاعر قصره حين اضطر لإقامة وزن البيت ، قال ابن منظور «أراد العداء ، فقصره للضرورة ، وأراد لا تستطيع يد الطويل نيل قذالها ، فحذف للعلم بذلك» اه. وأراد المؤلف من الاستشهاد بهذا البيت الردّ على الفرّاء الذي اشترط لجواز قصر الممدود أن يكون قد ورد في بابه مقصور ، ووجه الرد من هذا البيت أن الشاعر قد قصر «العداء» وهو صيغة مبالغة كما قلنا فعلها عدا يعدو ، ولم يأت في صيغ المبالغة مقصور حتى يحمل هذا عليه.