الأنصاري : المسح خفيف الغسل ، وكان أبو زيد الأنصاري من الثقات الأثبات في نقل اللغة ، وهو من مشايخ سيبويه ، وكان سيبويه إذا قال «سمعت الثقة» يريد أبا زيد الأنصاريّ.
والذي يدل على ذلك قولهم : «تمسّحت للصلاة» أي توضّأت ، والوضوء يشتمل على ممسوح ومغسول ، والسر في ذلك أن المتوضىء لا يقنع بصب الماء على الأعضاء حتى يمسحها مع الغسل ؛ فلذلك سمي الغسل مسحا ، فالرأس والرجل ممسوحان ، إلا أن المسح في الرجل المراد به الغسل لبيان السنة ، ولو لا ذلك لكان محتملا ، والذي يدل على أن المراد به الغسل ورود التحديد في قوله : (إِلَى الْكَعْبَيْنِ) والتحديد إنما جاء في المغسول لا في الممسوح ، وقال قوم : الأرجل معطوفة على الرأس في الظاهر ، لا في المعنى ، وقد يعطف الشيء على الشيء والمعنى فيهما مختلف ، قال الشاعر :
[٣٩٢] إذا ما الغانيات برزن يوما |
|
وزجّجن الحواجب والعيونا |
فعطف العيون على الحواجب وإن كانت العيون لا تزجّج ، وقال الآخر :
تراه كأنّ الله يجدع أنفه |
|
وعينيه إن مولاه ثاب له وفر [٣٣٤] |
______________________________________________________
[٣٩٢] هذا البيت من شواهد ابن هشام في مغني اللبيب (رقم ٥٨٧) وفي أوضح المسالك (رقم ٢٥٩) وفي شرح شذور الذهب (رقم ١١٦) وابن جني في الخصائص (٢ / ٤٣٢) وابن عقيل (رقم ٢٩٩) والأشموني (رقم ٤٤٢) والرضي ، وشرحه البغدادي (٣ / ٩١ و ٤ / ١٧٣) والبيت من كلام الراعي النميري ، واسمه عبيد بن حصين ، وبرزن ظهرن ، تقول «برز فلان يبرز بروزا ـ على مثال قعد يقعد قعودا» إذا ظهر ، وزجّجن أي دقّقن ، وتقول : رجل أزجّ ، وامرأة زجّاء ؛ إذا كان كل منهما قد دقق حاجبيه ورققهما في طول ، ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله «والعيونا» فإن ظاهر الأمر أن هذه الكلمة معطوفة على «الحواجب» مع أن العامل في المعطوف عليه لا يصح أن يتسلط على المعطوف ؛ لأن العيون لا تزجج ، وإنما تكحل ، مثلا ، ومن أجل هذا لم يرتض المحققون والأثبات من العلماء أن تكون هذه الواو قد عطفت كلمة العيون على كلمة الحواجب مع بقاء معنى كلمة زججن على معناها الأصلي الذي ذكرناه ، بل ذهبوا إلى أحد طريقين : الأول : أن يكون قوله «العيونا» مفعولا به لفعل محذوف يناسبه ، وكأنه قال : زججن الحواجب وكحلن العيونا ، وتكون الواو قد عطفت جملة على جملة ، والطريق الثاني : أن تتوسع في كلمة «زججن» فتجعل المراد بها حسّنّ أو جملن أو ما أشبه ذلك مما يصح أن يتسلط على المعطوف والمعطوف عليه جميعا ، وعلى هذا تكون الواو قد عطفت مفردا على مفرد ، وقد بيّنا لك ذلك بيانا وافيا في الكلام على الشاهد رقم ٣٣٤ الذي سبق في المسألة ٧٠ ومن هنا تعلم أن قول المؤلف إنهم عطفوا الثاني على الأول في مثل هذا البيت كلام مبني على الظاهر ، ولا شيء فيه من التحقيق.