أراد «كيما
أخفرها» ولهذا المعنى انتصب «أخفرها» وقال الآخر :
[٣٨٠] وطرفك
إمّا جئتنا فاصرفنّه
|
|
كما يحسبوا
أنّ الهوى حيث تنظر
|
أراد «كيما يحسبوا»
وقال الآخر :
[٣٨١] * لا تظلموا النّاس كما لا تظلموا*
______________________________________________________
«كما» أصلها «كيما»
فحذفت الياء للتخفيف ، وقال ابن مالك : «كما» مؤلفة من الكاف الجارة ومعناها
التعليل ، ومن ما الكافة ، ونصب المضارع بعد «كما» بالكاف الدالة على التعليل حملا
لها على «كي» لأن معناها كمعناها ، وهما رأيان متقاربان ، غير أن رأي أبي علي
الفارسي أدقّ ؛ فإن كون الكاف ناصبة لكونها بمعنى كي بعيد ، ومما يبعده أن الكاف
من عوامل الأسماء فكيف تكون من عوامل الأفعال؟
[٣٨٠] هذا
البيت من شواهد ابن هشام في مغني اللبيب (رقم ٢٩٥) والأشموني (رقم ١٠٠٢) وهو من
شواهد شراح الألفية ، وقد شرحه العيني (٤ / ٤٠٧ بهامش الخزانة) وهو البيت التاسع
والخمسون من رائية عمر بن أبي ربيعة الطويلة (د ٨٤ ـ ٩٥ بتحقيقنا) وذكر العلامة
الأمير في حواشيه على مغني اللبيب أنه وجد البيت في قصيدة لجميل بن معمر العذري
صاحب بثينة.
والطرف ـ بفتح
فسكون ـ أراد به العين ، وإما : مركبة من إن الشرطية ، وما المؤكدة ، واصرفنه : أراد
حوله إلى جهة أخرى غير جهتنا ، ومحل الاستشهاد بالبيت هنا قوله «كما يحسبوا» فإن
الكوفيين ذهبوا إلى أن «كما» مثل «كيما» ويجوز أن ينصب الفعل المضارع بعدها على
تقدير أن «ما» زائدة غير كافة ، ويجوز أن يرفع بعدها على تقدير أن ما زائدة كافة ،
وقد جاء هذا البيت بالنصب على الوجه الأول. وقد زعم أبو محمد الأسود في كتابه
المسمى «نزهة الأديب» أن أبا علي الفارسي حرّف هذا البيت ، وأن الصواب روايته على
هذا الوجه :
إذا جئت
فامنح طرف عينيك غيرنا
|
|
لكي يحسبوا
أن الهوى حيث تنظر
|
ويقول أبو رجاء
: إن الرواية في ديوان عمر بن أبي ربيعة على ما قال أبو محمد الأسود ، ومع هذا لا
أرى لك أن تقبل الطعن في أبي علي الفارسي بأنه صحف البيت ليستشهد به ؛ فإن
الروايات تكثر في الشعر العربي ، وكل راو يعتمد إحدى الروايات ويعول عليها ، وقد
أسمعناك كلاما مثل كلام أبي محمد في روايات وردت في كتاب سيبويه وقال العلماء بصدد
ذلك : إن سيبويه غير متهم فيما يرويه بعد أن يسمعه من أفواه العرب ، وإنه لا بدّ
أن يكون قد سمع الرواية التي حكاها في كتابه ، والشواهد على هذه المسألة كثيرة ،
وقد ذكر المؤلف منها جملة فما يدعو أبا علي إلى أن يحرّف بيتا ليستشهد به وفي غيره
من الشعر الثابت مندوحة؟ بل إن رواية أبي محمد الأسود وهي رواية ديوان عمر تؤيد
المذهب الذي رآه أبو علي الفارسي الذي خلاصته أن أصل «كما» هو كيما ، فقد أنبأتك
غير مرة أن البيت إذا روي بروايتين أو أكثر ووضعت في إحدى الروايتين كلمة في مكان
كلمة في الرواية الأخرى دل ذلك على أن الكلمتين بمعنى واحد ، لأن الراوي العارف
بالعربية لا يضع الكلمة مكان الكلمة إلا وهو على ثقة من أن معناهما واحد ، لأنه
يريد أن يؤدي المعنى الذي فهمه من الكلام ، فاعرف ذلك وكن منه على ثبت.
[٣٨١] هذا
البيت من شواهد رضي الدين في باب نواصب المضارع من شرح الكافية ، وشرحه ـ