في غير موضع ، وإنما لمّا قصدوا أن يكون الثاني في غير حكم الأول وحوّل المعنى حول إلى الاسم ، فاستحال أن يضم الفعل إلى الاسم ، فوجب تقدير «أن» لأنها مع الفعل بمنزلة الاسم ، وهي الأصل في [٢٣٠] عوامل النّصب في الفعل.
وأما ما ذهب إليه أبو عمر الجرمي أنها عاملة لأنها خرجت عن باب العطف فباطل ؛ لأنه لو كانت هي العاملة كما زعم لجاز أن تدخل عليها الفاء والواو للعطف ، وفي امتناعه من ذلك دليل على بطلان ما ذهب إليه.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين : أما قولهم «إن الثاني مخالف للأول فصارت مخالفته له وصرفه عنه موجبا له النّصب» قلنا : قد بيّنا في غير مسألة أن الخلاف لا يصلح أن يكون موجبا للنصب ، بل ما ذكرتموه هو الموجب لتقدير «أن» لا أنّ العامل هو نفس الخلاف والصّرف ، ولو جاز ذلك لجاز أن يقال : إن زيدا في قولك «أكرمت زيدا» لم ينتصب بالفعل ، وإنما انتصب بكونه مفعولا ، وذلك محال ؛ لأن كونه مفعولا يوجب أن يكون أكرمت عاملا فيه النصب ، فكذلك هاهنا : الذي أوجب نصب الفعل هاهنا بتقدير «أن» هو امتناعه من أن يدخل في حكم الأول ، كما أن الذي أوجب نصب زيد في قولك «أكرمت زيدا» وقوع الفعل عليه ؛ فدلّ على ما قلناه ، والله أعلم.