واجتزاؤهم بالفتحة عن الألف نحو ما أنشدوا :
[٢٢٣]فلست بمدرك ما فات منّي |
|
بلهف ولا بليت ولا لو انّي [٢٤٥] |
أراد «بلهفا» فاجتزأ بالفتحة عن الألف ، كما قال رؤبة :
وصّاني العجّاج فيما وصّني* [٢٨٣]
أراد «فيما وصاني» فاجتزأ بالفتحة عن الألف.
واجتزاؤهم بهذه الحركات عن هذه الأحرف كثير في كلامهم ، والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى.
ثم لو صح أن التقدير فيه «لتفد» كما زعمتم فنقول : إنما حذف اللام لضرورة الشعر. وما حذف للضرورة لا يجعل أصلا يقاس عليه.
وأما قوله :
* فقلت ادعي وأدع فإنّ أندى* [٣٥١]
فإنه قد روي :
* ... ادعي وأدعو إنّ أندى* [٣٥١]
بإثبات الواو في «أدعو» وحذف الفاء من «إن» فلا يكون فيه حجة ، ولئن صح ما رووه فهو محمول على ضرورة الشعر كما بيّنا في البيت الأول ، وهو الجواب عن قول الآخر :
* ... أو يبك من بكى* [٣٥٢]
وعن قول الآخر :
* فيدن منّي تنهه المزاجر* [٣٥٣]
والذي يدل على أن ذلك مما يختص بالشعر أن أبا عثمان المازني قال : جلست في حلقة الفراء فسمعته يقول لأصحابه : لا يجوز حذف لام الأمر إلا في شعر ، وأنشد :
من كان لا يزعم أنّي شاعر |
|
فيدن منّي تنهه المزاجر [٣٥٣] |
فقلت له : لم جاز في الشعر ولم يجز في الكلام؟ فقال : لأن الشعر يضطر فيه الشاعر فيحذف ؛ فدل على أن هذا الحذف إنما يكون في الشعر ، لا في اختيار الكلام ، بالإجماع.
وأما ما رووه عن رؤبة من قوله «خير» فلا خلاف أنه من الشاذ النادر الذي لا يعرّج عليه ، ولهذا أجمع النحويون قاطبة على أنه لا يجوز [٢٢٤] في جواب من قال «أين تذهب» أن يقال : زيد ، على تقدير إلى زيد ، وفي امتناع ذلك