.................................................................................................
______________________________________________________
والتقدير : مذ كان يوم الجمعة ، ومذ كان يومان (١) وهو قول المحققين من الكوفيين (٢) ، وإنما اخترته لأن فيه إجراء «مذ ومنذ» في الاسمية على طريقة واحدة مع صحة المعنى ، فهو أولى من اختلاف الاستعمال ، وفيه تخلص من ابتداء بنكرة بلا مسوغ إن ادعي التنكير ، ومن تعريف غير معتاد إن ادعي التعريف ، وفيه أيضا تخلص من جعل جملتين في حكم جملة واحدة من غير رابط ظاهر ولا مقدر (٣) ، ويعامل المصدر المعين زمانه بعد «مذ ومنذ» معاملة الزمان المعين في الرفع والجر ، فيقال : ما رأيته مذ قدوم زيد ومنذ قدوم زيد ، والأصل : مذ زمن قدوم زيد ، ومنذ زمن قدوم زيد ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه كما فعل في غير هذا المكان (٤) وأجاز ابن كيسان أن يقال : إنّ منذ جئت زيدا غائب كما يقال : إن حين جئت زيد غائب ، وقد يجران المستفهم به عن الوقت نحو : مذ متى رأيته ، ومذ كم فقدته ، وقد تقع أنّ وصلتها بعد «مذ» فيحكم لموضعها بما حكم به للفظ المصدر ؛ لأنها مؤولة بمصدر ، ومثال الإضافة إلى جملة مصرح بجزأيها قول الشاعر : ـ
١٥٥٢ ـ ما زال مذ عقدت يداه إزاره |
|
فسما فأدرك خمسة الأشبار |
يدني خوافق من خوافق تلتقي |
|
في ظلّ معترك العجاج مثار (٥) |
__________________
(١) شرح التسهيل للمصنف (٢ / ٢١٧).
(٢) ينظر : المغني (١ / ٣٣٥) وقد بين ابن هشام فيه أن الرأي الأول الذي عبر عنه المصنف هنا بقوله :
«وزعم الأكثرون» هو رأي المبرد وابن السراج والفارسي والأخفش والزجاج والزجاجي ، وعلق على هذا الرأي قائلا : ولا خفاء بما فيه من التعسف. اه.
(٣) ينظر : التذييل (٣ / ٣٤٧ ، ٣٤٨) ، والهمع (١ / ٢١٦ ، ٢١٧).
(٤) ينظر : التذييل (٣ / ٣٥٣ ، ٣٥٤) ، وشرح الكافية للرضي (٢ / ١٢٢).
(٥) البيتان من الكامل ، وهما للفرزدق في : المقتضب (٢ / ١٧٦) ، والتذييل (٣ / ٣٤٦ ، ٣٥٦) ، وابن يعيش (٢ / ١٢١) ، (٦ / ٣٣) ، وابن القواس (ص ٨٧٢) ، والارتشاف (ص ٥٦٩) ، والمغني (١ / ٣٣٦) ، وشرح شواهده (٢ / ٧٧٥) ، والعيني (٣ / ٣٢١) ، والتصريح (٢ / ٢١) ، والهمع (١ / ٢١٦) ، (٢ / ١٥٠) ، والدرر (١ / ١٨٥) ، (٢ / ٢٠٦) ، والأشموني (١ / ١٨٧) ، (٢ / ٢٢٨) ، وديوان الفرزدق (ص ٣٧٨) ، والفصول الخمسون (ص ٢٤٣).
والشاهد فيه قوله : «مذ عقدت يداه» ؛ حيث أضيفت «مذ» إلى الجملة الفعلية المصرّح بجزأيها ، ويستشهد به أيضا على : أن العدد المضاف إذا أريد تعريفه عرف المضاف إليه ، فيصير بذلك العدد مضافا إلى معرفة ، وذلك في قوله : «خمسة الأشبار».