ه ـ وأخيرا ، فإنّ الحكمة ليست من عمود القصيدة العربية ، فهناك مئات القصائد لم تتضمن الحكمة ، وعلى فرض أن أبيات الحكمة يبدو عليها التشرذم والانفصال ، كما يزعمون ، فكيف يعممون الحكم على قصائد الشعر كلها سواء أكانت متضمنة الحكمة أم خلت منها؟!.
* الجهة الخامسة التي جاء منها الوهم : تعدّد الألوان والمشاهد في القصيدة. فقد قال بعضهم : إنّ الروابط قائمة بين أبيات تصف مشهدا من مشاهد القصيدة. فالغزل أبياته متسلسلة ومترابطة ، ووصف الناقة تترابط وتتعانق أبياته. ويزعمون أنّ الوحدة معدومة بين ألوان القصيدة ومشاهدها. وهذا ـ في رأيي ـ زعم باطل ، وحكم قاصر ، لأنه لم يبن على استقراء واستقصاء. وإليك تفصيل ما أجملت :
١ ـ ربما كان النموذج الذي اعتمدوا عليه في الحكم ، هو قصيدة المدح ، وجزء الحكمة من القصيدة ، أما أبيات الحكمة : فقد بينا فيما سبق قربها ولصوقها بموضوع القصيدة ، وانظر مثالها ما قلناه حول أبيات الحكمة في قصيدة زهير. وأما قصيدة المدح : فقد قدمنا فيما سبق رؤيتنا في ترابط أجزاء القصيدة المدحية وأن الوقوف على الأطلال ، والغزل ، ووصف الراحلة والطريق تبدو أنها ألوان متناسقة مع موضوع المدح ، وأنها مجموعة من الألوان في لوحة فنيّة لا ترى فيها تنافرا. وأزيد هنا على ما سبق : أن قصائد المديح ـ في الشعر الجاهلي ، والمخضرم ـ لا تمثل إلا نسبة ضئيلة جدا ، فهذه مجموعة «المفضليات» تضمّ ثلاثين ومئة قصيدة ومقطوعة ، أحصيت قصائد المديح فيها ، فلم تبلغ عشر قصائد. وفي مجموعة «الأصمعيات» واحدة وسبعون قصيدة ومقطوعة ، لم أجد فيها إلا قصيدتين للمدح. وفي ديوان حماسة أبي تمام (٨٨٢) حماسيّة ، في باب المديح نحو ثلاثين مقطوعة ، فيها خليط من مدح الذات وهو فخر ، ومدح الكرم ، ومدح الأصدقاء ، وقلة قليلة في مدح العظماء والقواد والأمراء ، وجلها منسوبة لشعراء من العصر الأموي ، وأظنّ أن كمية الاختيار تتناسب مع كمية ما يوجد من كل نوع في الدواوين. ثم إن هذا المزيج من الألوان في قصيدة المديح ، يمكن أن يقال إنه يمثل ذوق العصر ، وهم يرون في هذا