كان يشبب بها ابن ميادة وهو الشاهد : على أن جملة «لا صبر» خبر قوله «فأما الصبر» والرابط العموم الذي في «لا» النافية للجنس. [شرح أبيات المغني / ٧ / ٧٨].
(١٦٠) عليك بأرباب الصدور فمن غدا |
|
مضافا لأرباب الصدور تصدّرا |
وإياك أن ترضى صحابة ناقص |
|
فتنحطّ قدرا من علاك وتحقرا |
فرفع «أبو من» ثم خفض «مزمّل» |
|
يبيّن قولي مغريا ومحذرا |
.. هذه الأبيات لأمين الدين المحلي من المتأخرين ، وليس في لفظها شاهد نحوي أو لغويّ ، ولكنه يلمح إلى بعض القواعد النحوية ، التي شبهها بما يجري في الحياة. وأرباب الصدور : أصحاب المراكز العالية في المجتمع الذين يقصدون المجامع. وقد ذكرها النحويون في باب «الإضافة» وأن الاسم المضاف إلى ماله الصدارة ينال التصدير في الكلام ، فيجب تقديم المبتدأ في قولك «غلام من عندك» لأنه مضاف إلى اسم الاستفهام المستحقّ الصدارة ، والخبر في قولك «صبيحة أيّ يوم سفرك» والمفعول به في قولك «غلام أيّهم أكرمت» ، و «من» ومجرورها في قولك «من غلام أيّهم أنت أفضل» ، ووجب الرفع في نحو : علمت أبو من زيد؟ وأشار بقوله : «مزمّل» إلى قول امرىء القيس :
كأنّ أبانا في عرانين وبله |
|
كبير أناس في بجاد مزمّل |
يصف جبلا علاه الغيم والمطر ، ذلك أن «مزملا» صفة لـ : كبير فكان حقّه الرفع ، ولكنه خفض لمجاورته للمخفوض. [ورحم الله الأجداد ، فقد لاحظوا أن اللغة كائن حيّ ، يجري عليها ما يجري على الأحياء من البشر ، وأن كلام الناس من حيث التقديم والتأخير والرفع والنصب ، بمثل المعانى والقيم التي تحكم حياة الناس ، فرفعوا الفاعل وقدموه ، لأن اليد العليا العاملة الفاعلة مرفوعة القدر ، ونصبوا المفعول وأخروه ، لأنه لا يعول عليه في بناء الحياة ، ولهذا سموه فضلة ، وعرّفوا المبتدأ وقدموه ورفعوه لأن الذي يتصدر القوم أعرفهم وأرفعهم .. الخ ، وعلى ذلك قسّ ما يمكنك أن تقيس من العلل والتأويلات المستفادة من حياة العرب. [شرح أبيات المغني / ٧ / ١١٠].
(١٦١) وكنّا حسبنا كلّ بيضاء شحمة |
|
عشيّة لاقينا جذام وحميرا |
هذا البيت للشاعر الفارس زفر بن الحارث الكلابي من أبيات أوردها أبو تمام في