للكميت بن زيد ، ومسجدا الله : أراد بهما مسجد مكة ومسجد المدينة زادهما الله شرفا ، وأراد بالحصى : العدد الكثير من الناس ، والقبص : بكسر القاف ، والصاد المهملة أصله مجتمع النمل الكبير الكثير ، ثم أطلق على العدد الكثير من الناس.
والشاهد : من بين أثرى وأقترا ، فإن هذا الكلام على تقدير اسم موصول قبل أثرى واسم موصول آخر قبل أقترا. وأصل الكلام ، من بين من أثرى ومن أقتر ، فحذف الموصولين وأبقى صلتهما ، ولا يصح الكلام على حذف موصول واحد لأنه يريد من جميع الناس مثريهم وفقيرهم ، ومثله قول حسان رضياللهعنه :
أمن يهجو رسول الله منكم |
|
ويمدحه وينصره سواء؟ |
التقدير : أمن يهجو رسول الله ومن يمدحه سواء ، ولا يجوز أن نجعل جملة يمدحه وجملة «ينصره» معطوفتين على جملة «يهجو» لأنه يلزم عليه أن يكون الذي يهجوه والذي يمدحه واحدا ، وهذا غير صحيح. ولكن كثيرا من أهل الأدب يروون بيت حسان ، هكذا :
فمن يهجو رسول الله منكم ... البيت.
أوله «من» بدون همزة الاستفهام ، ويقول النّقاد : إنه من الهجاء المؤلم لأن الشاعر يقرر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، لا يضرّه هجاؤهم ، ولا ينفعه مدحهم ونصرهم ، فالهجاء والمدح سواء في جنب رسول الله إذا كان من المشركين ، لأن الرسول عليهالسلام مدحه الله تعالى وحماه ، فلا يضرّه هجاء المشركين له ، ولا يزيد مدح المشركين له في منزلته ، أو أن الشاعر يفخر بقومه الأنصار الذين آووا رسول الله فيقول : إنه لا يضره هجاء المشركين ، ولا ينفعه مدحهم ونصرتهم ، بعد أن كان له من الأنصار ما كان. والدليل على صحة هذا التأويل ، أن الشاعر قال في الشطر الأول «منكم» يعنى من المشركين ، وكذلك الذي يمدحه وينصره من المشركين ، قلت : ورواية (من يهجو) بدون استفهام ، أقوى من رواية الاستفهام ، لأن فيها تبكيتا للمشركين وتصغيرا من شأنهم ، وهذا البيت نقوله أيضا لأهل الكفر في كلّ زمن ، ونردّ به على المؤلّفين المسلمين الذين يستشهدون بأقوال الأوربيين والمستشرقين الذين مدحوا (عبقرية) محمد صلىاللهعليهوسلم ، وأثر رسالته في المجتمع العربي ، لأنّ مدح الكافرين محمدا صلىاللهعليهوسلم لا يزيد المؤمنين إيمانا ، وذمه لا ينقص إيمان المؤمن ، فليس بعد مدح القرآن مدح ، وليس بعد تصديق القرآن له من تصديق ،