نقلت اللغة عنهم. حيث كان علماء اللغة يرحلون إلى أعماق البادية لسماع
اللغة .. وحذف واو الجماعة من (كان) التي نقلنا البيت الأول شاهدا لها ، نقل
الفرّاء في «معاني القرآن» أنها من لغة هوازن وعليا قيس. ونقل هذه اللغة ، ثعلب في
أماليه ، وابن الأنباري في الإنصاف ، وابن يعيش في شرح المفصل ، وابن هشام في
المغني. وعلى هذه اللغة يخرّج الرسم القرآني ، وقراءته التي جاء فيها حذف الضمير
من آخرها. فقد أورد الفرّاء البيت الشاهد عند قوله تعالى في سورة البقرة (فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي ،
وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ) [البقرة : ١٥٠] ، قال : قوله : واخشوني : أثبت فيها الياء ، ولم تثبت في
غيرها. وكلّ ذلك صواب ، وإنما استجازوا حذف الياء ، لأن كسرة النون تدل عليها ،
وليست العرب تهاب حذف الياء من آخر الكلام ، إذا كان ما قبلها مكسورا. من ذلك «أكرمن»
و «أهانن» في سورة الفجر.
وقوله (أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ) [النمل ٣٦]. ومن غير النون «المناد» [ق ٤١] و «الداع» [القمر ٦ ـ ٨]. وهو
كثير. يكتفى من الياء بكسرة ما قبلها. ومن الواو ، بضمة ما قبلها ، مثل قوله (سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) [العلق ١٨]. و (يَدْعُ الْإِنْسانُ) [الإسراء ١١] .. وما أشبهه. وقد تسقط العرب الواو ، وهي واو جمع ، اكتفاء
بالضمة مثلها ، فقالوا : في «ضربوا» قد ضرب. وفي قالوا : قد قال. وأنشدني بعضهم :
إذا ما شاء
ضرّوا من أرادوا
|
|
ولا يألو لهم
أحد ضرارا
|
وأورد صاحب «الكشاف»
البيت في سورة (المؤمنون) شاهدا لقراءة من قرأ «قد أفلح» بضم الحاء ، اجتزاء
بالضمة عن الواو والأصل : قد أفلحوا ، على لغة «أكلوني البراغيث».
ونقل ابن هشام
في المغني ، في الجهة الرابعة من الكتاب الخامس عن التبريزي في قراءة يحيى بن يعمر
(عَلَى الَّذِي
أَحْسَنَ) [الأنعام ١٥٤]. بالرفع ، أن أصله «أحسنوا» فحذفت الواو اجتزاء عنها بالضمة.
كما قال : إذا ما شاء ضروا .. البيت.
ثم قال : وحذفت
الواو. وإطلاق «الذي» على الجماعة ليس بالسهل. والأولى قول الجماعة إنه بتقدير
مبتدأ. أي : هو أحسن. وأما قول بعضهم في قراءة ابن محيصن (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ). [البقرة ٢٣٣]. إنّ الأصل ، أن يتموا بالجمع ، فحسن ،
لأنّ الجمع على معنى (من) ولكن أظهر منه قول الجماعة : إنه جاء على إهمال أن
الناصبة ..