.. البيت
للشاعر عبد الله بن قيس الرقيات ، وأنشده سيبويه ، وابن هشام شاهدا على حذف فعل
نصب به «طيبا» في آخر البيت .. والشاعر يصف هذه المرأة بإدامة استعمال الطيب ..
وقد دلّ على الفعل المحذوف ، الفعل المذكور في أول البيت. ولابن جنّي ، تعليق
ألمعيّ على الفعل المحذوف هنا ، ووجوب كونه فعلا قلبيا ، وليس من نوع الرؤية
العينية ، حيث يقول : ولعمري إنّ الرؤية إذا لحقتها فقد لحقت ما هو متصل بها وفي
ذلك شيئان : أحدهما : أن الرؤية وإن كانت مشتملة عليها ، فليس لها طريق إلي الطيب
في مفارقها ، اللهم إلا أن تكون حاسرة غير مقنّعة ، وهذه مبتذلة لا توصف به
الخفرات ، ألا ترى إلى قول كثيّر :
وإني لأسمو
بالوصال إلى التي
|
|
يكون سناء
وصلها وازديارها
|
ومن كانت من
النساء هذه حالها ، فليست رذلة ولا مبتذلة ، وبه وردت الأشعار القديمة والمولّدة ،
وهي طريق مهيع ، وإذا كان كذلك ، وكانت الرؤية لها ليس مما يلزم معه رؤية طيب
مفارقها ، وجب أن يكون الفعل المقدر لنصب (الطيب) مما يصحب الرؤية لا الرؤية نفسها
، فكأنه قال : لن تراها إلا وتعلم لها ، أو تتحقق لها في مفارق الرأس طيبا ... والآخر
: أنّ هذه الواو في قوله «ولها كذا» هي واو الحال ، وصارفة للكلام إلى معنى
الابتداء ، فقد وجب أن يكون تقديره : لن تراها إلا وأنت تعلم أو تتحقّق أو تشمّ ،
فتأتي بالمبتدأ وتجعل ذلك الفعل المقدر خبرا عنه ... وقد ردّ ابن هشام على هذا
القول فقال : وأما قول المعرب في البيت ، فمردود وأحوال الناس في اللباس والاحتشام
مختلفة ، فحال أهل المدر يخالف حال أهل الوبر ، وحال أهل الوبر مختلف ، وبهذا أجاب
الزمخشري عن إرسال شعيب عليهالسلام ابنتيه لسقي الماشية وقال : العادات في مثل ذلك متباينة
وأحوال العرب خلاف أحوال العجم ، اه.
ولكن كلام ابن
جني أجمل وأعمق في معرفة أحوال العرب ، وفهم عاداتهم وأشعارهم ، وإنما قدم لنا ابن
جني الصفة الغالبة على العرب ، وهي الحشمة والخفر والتصون. والشعراء الذين وصفوا
مغامراتهم المكشوفة مع محبوباتهم هم قلة ولا يمثلون حياة العرب. [سيبويه ج ١ / ١٤٤
، وشرح المفصل ج ١ / ١٢٥ ، وشرح أبيات المغني ج ٧ / ٢٧٢].
(١١٣) أرى الدّهر إلا منجنونا بأهله
|
|
وما صاحب
الحاجات إلّا معذّبا
|