.................................................................................................
______________________________________________________
وقال جمال الدين بن عمرون : «الضّابط في جواز الابتداء بالنّكرة قربها من المعرفة لا غير» وحصر قربها من المعرفة بأحد شيئين : «إما باختصاصها كالنّكرة الموصوفة ، أو بكونها فى غاية العموم كقولنا : تمرة خير من جرادة».
وما ذكره ابن السراج أولى ؛ لأنه أضبط وأعم ، وهو الذي اعتبره سيبويه ، فإنه لم يشترط في الابتداء بالنكرة إلا شيئا واحدا وهو حصول الفائدة (١).
قالوا : ويدخل على سيبويه إجازة مثل : رجل في الدار ؛ لاستواء الفائدتين فيه ، وفي قولنا : في الدار رجل ، وهو جائز مع تقدم الظرف ، فينبغي أن يجوز مع تأخره ، وقد أجمعوا على أنه لا يجوز ، وأنه ليس بمسموع من كلام العرب.
وأجيب عن ذلك : بأنه إنما امتنع : رجل في الدار ؛ لعروض اللبس الحاصل بتأخر الظرف أهو صفة أم خبر ، وأنه ينبغي حمله على الصفة ، لأن النكرة محتاجة إلى النعت ؛ لشدة إيهامها بخلاف ما إذا تقدم الظرف.
ولا يرد على هذا التعليل نحو : زيد القائم ، فيقال : هو يحتمل الصفة والخبر ، فينبغي منعه ؛ لأن النكرة أحوج من النعت إلى المعرفة ؛ فلذلك كان اللبس إليها أسرع منه إلى المعرفة.
قال ابن عصفور (٢) : وقد يجوز دخول امتناع : رجل في الدّار تحت عموم قول سيبويه إنه لا يخبر عن النكرة إلا حيث كان فيها فائدة ؛ لأنه إذا أدّى إلى اللّبس ـ
__________________
الثالث : أن يكونا نكرتين كقولك : رجل من قبيلة كذا عالم والإخبار ، بالنّكرة عن النّكرة غير مستقيم في الأصل ؛ إذ إسناد المجهول لا نصيب له في الإفادة ؛ فإنما تأتي النّكرتان إذا وجد تخصيص كما فعلت في تخصيصك رجلا بقولك : من قبيلة كذا. ونحو أن نقول : رجل من آل فلان فارس ، فتصفه بكونه من تلك القبيلة ، وتحصل الفائدة ؛ لأن المخاطب قد يجهل ذلك ، ولو قلت : رجل ذاهب لم يجز ؛ لأنّ كلّ أحد يعلم أنّ الدّنيا لا تخلو من ذاهب ما ، فإن قلت : رجل ذاهب من داري أو ذهب من داري جاز ؛ لأن ذلك لا يعرفه كلّ أحد». (المرجع السابق ص ٣٠٨).
(١) في كتاب سيبويه : (١ / ٣٢٩): «ولو قلت : رجل ذاهب لم يحسن حتّى تعرفه بشيء ، فتقول : رجل من فلان سائر». وقد عد سيبويه كثيرا من مواضع الابتداء بالنكرة في كتابه بعد ذلك. انظر (١ / ٥٤ ، ٥٥ ، ٥٦) هذا باب تخبر فيه عن النكرة بالنكرة ، وانظر أيضا (١ / ٣٢٨ ، ٣٣٤).
(٢) انظر شرح الجمل له (١ / ٣٣٦) رسالة دكتوراه جامعة القاهرة وهو بنصه.