ولا يجوز ان نستثني زكريا خاصة من سائر الأنبياء لأن حديث الخليفة لا يقبل هذا الاستثناء وهذا التفريق بين زكريا عليهالسلام وغيره والنبوة ان اقتضت عدم التوريث فالأنبياء كلهم لا يورثون ولا نحتمل أن يكون لنبوة زكريا عليهالسلام خاصية جعلته يورث دون سائر الانبياء. وما هو ذنب زكريا عليهالسلام أو ما هو فضله الذي يسجل له هذا الامتياز. أضف إلى ذلك ان تخصيص كلمة الأنبياء الواردة في الحديث والخروج بها عمّا تستحقه من وضع لا ضرورة له بعد أن كان الحديث قابلاً للتفسير على أسلوب آخر ان لم يكن هو المفهوم الظاهر من الحديث كما اوضحناه سابقاً فهو تفسير على كل حال فلماذا نفسر الحديث بأن تركة النبي لا تورث لنضطر إلى ان نقول بأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يعني بالأنبياء غير زكريّا عليهالسلام بل لنأخذ بالتفسير الآخر ونفهم من الحديث ان الأنبياء ليس لهم من نفائس الدنيا ما يورثونه ونحفظ للفظ العام حقيقته (١).
ونعرف مما سبق ان صيغة الحديث لو كانت صريحة في ما اراده الخليفة لها من المعاني لناقضت القرآن الكريم ومصيرها الاهمال حينئذ وليس في المسألة سبيل إلى اعتبار الحديث مدركاً قانونياً في موضوع التوريث ولذا لم يتفطن الصديق إلى جواب يدفع به اعتراض خصمه عليه بالآية الآنفة الذكر ولم يوفق واحد من أصحابه إلى الدفاع عن موقفه. وليس ذلك إلا لأنهم احسوا بوضوح ان الحديث يناقض الآية بمعناه الذي يبرر موقف الحاكمين.
__________________
(١) والجملة خبرية وليست انشائية لان انشاء حكم على الأنبياء بعد وفاتهم وانقراض ورثتهم لا معنى له وحينئذ فالتخصيص يستلزم مجازية الاستعمال وليس شأن صيغة الحديث شأن الجمل الانشائية التي يكشف تخصيصها عن عدم ارادة الخاص بالارادة الجدية ويقدم لذلك على سائر التأويلات والتجوزات بل هي خبرية والجملة الخبرية إذا خالفت الارادة الاستعمالية فيها الجد والحقيقة كانت كذباً فتخصيصها يستلزم صرفها إلى المعنى المجازي وحينئذ فلا يرجع على تجوز آخر إذا دار الأمر بينهما.