يتّضح انّ الحكم في الحديث عدم توريث التركة يتجلى ان المراد بالجماعة جماعة الأنبياء اذ لا توجد جماعة أخرى نحتمل عدم انتقال تركاتها إلى الورثة ، وقد دلّ صريح القرآن الكريم على توريث بعض الأنبياء اذ قال الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم مخبراً عن زكريا عليهالسلام : « واني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقراً فهب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله ربّ رضياً » والإرث في الآية بمعنى ارث المال لأنّه هو الذي ينتقل حقيقة من الموروث إلى الوارث وأما العلم والنبوة فلا ينتقلان انتقالاً حقيقياً ، وامتناع انتقال العلم على نظرية اتحاد العاقل والمعقول (١) واضح كل الوضوح واما إذا اعترفنا بالمغايرة الوجودية بينهما فلا ريب في تجرد الصور العلمية (٢) وانها قائمة بالنفس قياماً صدورياً (٣) بمعنى انّها معلولة للنفس والمعلول الواحد بحسب الذات ـ
__________________
(١) وتقوم الفكرة في هذه النظرية على أن الصور المعقولة ـ وهي عبارة عن وجود مجرد عن المادة ـ لاقوام لها إلا بكونها معقولة فالمعقولية نفس هويتها وتجردها عن العاقل تجريد لها عن نحو وجودها الخاص. وهذا آية الوحدة الوجودية واذن فتدرج النفس في مراتب العلم هو تدرجها في أطوار الوجود وكلّما صار الوجود النفسي مصداقاً فالمفهوم عقلي جديد زاد في تكامله الجوهري واصبح من طراز أرفع ، ولا مانع مطلقاً من اتحاد مفاهيم متعددة في الوجود كما يتحد الجنس والفصل وليس ذلك كالوحدة الوجودية لوجودين أو الوحدة المفهومية لمفهومين فان هاتين الوحدتين مستحيلتان في حساب العقل دون ذاك الاتحاد. والتوسع لا مجال له.
(٢) فان الحقّ تجرّد جميع مراتب العلم والصور المدركة ولكن على تفاوت في مراتب التجريد فانّ المدرك بالذات لا يمكن ان يكون نفس الشيء بهويته الماديّة فحتى المدرك بحاسة البصر له نحو من التجرّد وليس في نورية خروج الشعاع أو الانطباع وما ثبت حول الرؤية في علم المرايا أو بحوث الفيزياء ما يفسّر الادراك البصري تفسيراً فلسفياً فلابدّ من الإعتراف بتجرده فضلاً عن الخيال والعقل وقد أوضحنا هذا المذهب في كتابنا العقيدة الإلهية في الإسلام.
(٣) لا قياماً حلولياً بمعنى كونها اعراضاً لها وانّما ذهب هذا المذهب بعض الفلاسفة لحل المشكلة التي اعترضت الباحثين عندما ارادوا ان يوفقوا بين أدلة الوجود الذهني وبين ما اشتهر من كون العلم كيفا وهي انّ الصورة المعقولة إذا كانت كيفا فما نتعلقه من الانسان ليس جوهراً لأنّه كيف وليس