ولعلّك تقول : انّها فتن المرتدين وهذا
تفسير يقبل على فرض واحد وهو : انّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
كان يتخوف على موتى البقيع من الارتداد فأما إذا لم يكن يخشى عليهم من ذلك كما ـ
هو في الواقع ـ لأنهم على الأكثر من المسلمين الصالحين وفيهم الشهداء فلماذا
يهنئهم على عدم حضور تلك الأيام ولا يستقيم في منطق صحيح أن يريد بهذه الفتن
المشاغبات الأموية التي قام به عثمان ومعاوية بعد عقود ثلاثة من ذلك التاريخ
تقريباً.
واذن فتلك الفتن التي عناها النبي (ص)
لابد أن تكون فتنا حادثة بعده مباشرة ولابد أيضاً أن تكون أكثر اتصالاً بموتى
البقيع لو قدرت لهم الحياة من فتن الردة والمتنبئين.
وهي اذن عين الفتنة التي عنتها الزهراء
بقولها : إلا في الفتنة سقطوا وانّ جهنم لمحيطة بالكافرين.
وهل من غضاضة بعد أن يصطلح عليها رسول
الله (ص) بالفتنة ان تمنح لقب الفتنة الأولى في دنيا الإسلام.
وقد كانت العمليات السياسية يومئذ فتنة
من ناحية أخرى لأنّها فرضت خلافة على أمة لم يقتنع بها إلا القليل من سوقتها الذين
ليس لمثلهم الحق في تقرير مصير الحكم في عرف الإسلام ولا في لغة القوانين
الدستورية جميعاً.
تلك هي خلافة الصديق ( رضي الله تعالى
عنه ) عندما خرج من السقيفة « وعمر يهرول بين يديه وقد نبر حتى ازبد شدقاه »
وجماعته تحوطه « وهم متزرون بالأزر الصنعانية لا يمرون باحد إلا خبطوه وقدموه فمدّوا
يده فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه شاء ذلك أو أبى ».
__________________