وممن ذكره ابن أبى الرّبيع (١).
* * *
__________________
(١) اعلم أنهم اختلفوا فى سبب بناء بعض الأسماء : أهو شىء واحد يوجد فى كل مبنى منها أو أشياء متعددة يوجد واحد منها فى بعض أنواع المبنيات وبعض آخر فى نوع آخر ، وهكذا؟
فذهب جماعة إلى أن السبب متعدد ، وأن من الأسباب مشابهة الاسم فى المعنى للفعل المبنى ، ومثاله ـ عند هؤلاء ـ من الاسم «نزال وهيهات» فإنهما لما أشبها «انزل وبعد» فى المعنى بنيا ، وهذا السبب غير صحيح ، لأنه لو صح للزم بناء نحو سقيا لك و «ضربا زيدا» فإنهما بمعنى فعل الأمر وهو مبنى. وأيضا يلزمه إعراب نحو «أف» و «أوه» ونحوهما من الأسماء التى تدل على معنى الفعل المضارع المعرب ، ولم يقل بذلك أحد ، وإنما العلة التى من أجلها بنى «نزال» و «شتان» و «أوه» وغيرها من أسماء الأفعال هى مشابهتها الحرف فى كونها عاملة فى غيرها غير معمولة لشىء ، ألا ترى أنك إذا قلت نزال كان اسم فعل مبنيا على الكسر لا محل له من الإعراب ، وكان له فاعل هو ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، وهذا الفاعل هو المعمول لاسم الفعل ، ولا يكون اسم الفعل أبدا متأثرا بعامل يعمل فيه ، لا فى لفظه ولا فى محله.
وقال قوم منهم ابن الحاجب : إن من أسباب البناء عدم التركيب ، وعليه تكون الأسماء قبل تركيبها فى الجمل مبنية ، وهو ظاهر الفساد ، والصواب أن الأسماء قبل تركيبها في الجمل ليست معربة ولا مبنية ، لأن الإعراب والبناء حكمان من أحكام التراكيب ، الا ترى أنهم يعرفون الإعراب بأنه : أثر ظاهر أو مقدر يجلبه العامل ، أو يعرفونه بأنه : تغير أواخر الكلمات لاختلاف العوامل الداخلة عليها ، والبناء ضده ، فما لم يكن تركيب لا يجوز الحكم بإعراب الكلمة ولا ببنائها.
وقال آخرون : إن من أسباب البناء أن يجتمع فى الاسم ثلاثة أسباب من موانع الصرف ، وعللوه بأن السببين يمنعان من صرف الاسم ، وليس بعد منع الصرف إلا ترك الإعراب بالمرة ، ومثلوا لذلك بـ «حذام ، وقطام» ونحوهما ، وادعوا أن سبب بناء هذا الباب اجتماع العلمية ، والتأنيث ، والعدل عن حاذمة وقاطمة ، وهو فاسد ، فإنا وجدنا من الأسماء ما اجتمع فيه خمسة أسباب من موانع الصرف ، وهو مع ذلك معرب ، ومثاله «آذربيجان» فإن فيه العلمية والتأنيث والعجمة والتركيب وزيادة الألف والنون ،