قال الأعلم : «الشاهد فيه إبدال التاء من خبطت طاء لمجاورتها الطاء ومناسبتها فى الجهر والإطباق ، فأراد أن يكون العمل من وجه واحد ، وأن يكون الحرفان فى الطبع وجهارة الصوت كحرف واحد ، وهذا البدل يطرد فى تاء مفتعل إذا وقعت بعد الطاء ، كقولك مطّلب فى مفتعل من الطّلب ، ولا يطرد فى مثل خبطت ؛ لأن الفعل يكون لغير المخاطب والمتكلم ، فلا تقع التاء فى آخره ، قلم تلزمه لزوم التاء للطاء فى مفتعل ، يقول : هذا للحارث بن أبى شمر الغسّانى ، وكان قد أوقع ببنى تميم وأسر منهم تسعين رجلا فيهم شأس بن عبدة أخو علقمة بن عبدة فوفد عليه علقمة مادحا له وراغبا فى أخيه فلما أنشده القصيدة وانتهى منها إلى هذا البيت قال له الحارث : نعم ، وأذنبة ، والذّنوب : الدّلو ملأى ، فضربت مثلا فى القسمة والحظّ ومعنى خبطت أسديت وأنعمت ، وأصل الخبط ضرب الشجر بالعصا ليتحاتّ ورقها فتعلفه الإبل ، فجعل ذلك مثلا فى العطاء ، وجعل كل طالب معروفا مختبطا ، وكل معط خابطا.
وبعد البيت :
فلا تحرمنّى نائلا عن جنابة |
|
فإنّى امرؤ وسط القباب غريب |
والجبابة : الغربة ؛ فخيره الحارث بين الحباء الجزل وإطلاق أسرى بنى تميم ، فقال له علقمة : عرّضتنى لألسن بنى تميم ، دعنى يومى هذا حتى أنظر فى أمرى ، فأتاهم فى السجن ، فعرفهم تخيير الحارث له ، فقالوا له : ويلك! أتدعنا وتنصرف؟ قال : فإن الملك سيكسوكم ويحملكم ويزودكم ، فاذا بلغتم الحى فلى الكسوة والحملان وبقية الزاد إن اخترت إطلاقكم؟ قالوا : نعم ، فدخل من غده على الحارث وعرفه أنه قد اختار إطلاقهم على الحباء ، فأطلقهم وكساهم وحملهم ، فلما انتهوا إلى الحى وفوا لعلقمة بما جعلوا له ، وهذا البيت آخر أبيات كتاب سيبويه» ، انتهى كلام الأعلم.