أن الشاعر لما ردّ الحرف المحذوف بقّى الحركة التى أحدثها الحذف بحالها قبل الرد فى قوله :
يديان بيضاوان عند محلّم
فتحريك الدال بعد رد الياء دلالة على صحة ما ذهب اليه سيبويه ، قال أبو على : فإن قيل : فما تصنع بغدوا فى البيتين ، فإنه يشهد لصحة قول الأخفش؟
فالجواب أن الذى قال : غدوا ليس من لغته أن يقول : غد ؛ فيحذف ، بل الذى يقول : غد غير الذى يقول : غدوا» انتهى كلامه.
وأنشده صاحب الكشاف عند قوله تعالى (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) على أن التقدير كمثل ذوى صيّب ؛ لأن التشبيه ليس بين ذات المنافقين والصيّب نفسه ، بل بين ذواتهم وذوات ذوى الصيّب ، كما فعل لبيد بإدخاله حرف التشبيه على الديار ، مع أنه لم يرد تشبيه الناس بالديار ؛ إذ لا يستقيم ذلك ، وإنما شبه وجودهم فى الدنيا وسرعة زوالهم وتركهم منازلهم خالية ، بحلول أهل الديار فيها ونهوضهم عنها وتركها خالية ؛ فهى بالحلول مأهولة ، وبالرحيل خالية ، والتقدير :
وما الناس إلا كالديار حال كون أهلها بها يوم حلولهم فيها وهى فى غد خالية ، وأهلها : مبتدأ ، وخبره : بها ، ويوم : ظرف متعلق بمتعلق الخبر ، وغدوا : ظرف لبلاقع ، وبلاقع : خبر مبتدأ محذوف : أى وهى خالية غدوا.
والبيت من قصيدة يرثى بها أخاه لأمه فى الجاهلية ، وهو أربد ، ومطلعها :
بلينا وما تبلى النّجوم الطّوالع |
|
وتبقى الجبال بعدنا والمصانع |
ولا جزع أن فرّق الدّهر بيننا |
|
وكلّ امرىء يوما له الدّهر فاجع |
وما النّاس إلّا كالدّيار وأهلها |
|
بها يوم حلّوها وغدوا بلاقع |