وأما ثانيا : فلأنه ليس معنى التشبيه على ما ذكره ، وإنما المراد من تشبيههم بها عدم الاهتداء لصلاح الحال
قال الأعلم : «وصف خرق قومه وعجزهم عن أمرهم ، وضرب لهم مثلا بخرق الحمامة وتفريطها فى التمهيد لعشها ؛ لأنها لا تتخذ عشها إلا من كسار العيدان ؛ فربما طارت عنها فتفرق عشها وسقطت البيضة فانكسرت ، ولذلك قالوا فى المثل : أخرق من حمامة ، وقد بين خرقها فى بيت بعده ، وهو : جعلت لها عودين ... البيت : أى : جعلت لها مهادا من هذين الصنفين من الشجر ، ولم يرد عودين فقط ولا ثلاثة كما يتأول بعضهم ؛ لأن ذلك غير ممكن» انتهى.
واستدل ابن يسعون والصّقلىّ وجماعة ممن شرح أبيات الإيضاح الفارسىّ على أنه لا بد من حذف الموصوف بأن العرب فيما زعموا لا تقول : ما رأيت رجلين وآخر ؛ لأن آخر إنما يقابل به ما قبله من جنسه : من إفراد أو تثنية أو جمع ؛ فلزم لذلك أن يكون التقدير عودا من نشم وآخر من ثمامة ، حتى يكون قد قابل مفردا بمفرد ، وهو الذى ذكروا من أنه إنما يكون على وفق ما قبله من إفراد أو تثنية أو جمع ، هذا ما قالوه ، وهو ليس بصحيح ؛ بدليل قول ربيعة بن مكدّم : [من الكامل]
*ولقد شفعتهما بآخر ثالث (١)*
ألا ترى أنه قابل بآخر اثنين؟ وقول أبى حية : [من البسيط]
وكنت أمشى على رجلين معتدلا |
|
فصرت أمشى على أخرى من الشّجر |
__________________
(١) هذا صدر بيت لربيعة بن مكدم ، وعجزه قوله :
*وأبى الفرار لى الغداة تكرّمى*