عرابة باليمين : أى بقوة وبطش واجتهاد وانشراح صدر ، وفى قوله «تلقاها» ما يشعر بهذا المعنى أشدّ من قوله أخذها ، وهذا البيت دل به على الأخلاق العتيدة والفضائل النفسية ، وأما البيت الأول فدل به على الأفعال الحميدة والخيرات المشاهدة ، فصار البيت الأول توطئة للثانى ، وكالدال عليه والمثبت له ؛ فإن الأفعال المشاهدة سابقة فى الإحساس لما فى النفس ودالة عليه ؛ فتلمح ذلك واعجب لشرف طباع هؤلاء كيف تسمو بهم جودة القريحة وصحة الفكرة والروية إلى مثل هذا ، انتهى كلامه.
ومثله للمبرد فى الكامل قال : قوله «تلقاها عرابة باليمين» قال أصحاب المعانى معناه بالقوة ، وقالوا مثل ذلك فى قوله تعالى (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) وقال معاوية لعرابة بن أوس الأنصارى : بم سدت قومك؟ قال : لست بسيدهم ، ولكنى رجل منهم ، فعزم عليه ، فقال : أعطيت فى نائبتهم ، وحملت عن سفيههم وشددت على يدى حليمهم ، فمن فعل منهم مثل فعلى فهو مثلى ، ومن قصّر عنه فأنا أفضل منه ، ومن تجاوزنى فهو أفضل منى ، وكان سبب ارتفاع عرابة أنه قدم من سفر فجمعه الطريق والشماخ بن الضرار المرّىّ فتحادثا ، فقال له عرابة : ما الذى أقدمك المدينة؟ قال : قدمت لأمتار منها ، فملأ له عرابة رواحله برا وتمرا وأتحفه بغير ذلك ، فقال الشماخ *رأيت عرابة الأوسى يسمو* إلى آخر الأبيات انتهى.
وأما عبد الله بن جعفر الطيار بن أبى طالب فقد قال ابن عبد ربه (١) فى العقد الفريد : أجواد أهل الاسلام أحد عشر رجلا فى عصر واحد لم يكن قبلهم ولا بعدهم مثلهم ؛ فأجواد أهل الحجاز ثلاثة فى عصر واحد : عبيد الله بن العباس ، وعبد الله بن جعفر ، وسعيد بن العاص ، إلى أن قال : ومن جود عبد الله بن جعفر أن عبد الرحمن بن
__________________
(١) انظر العقد الفريد لابن عبد ربه (١ : ١١٢)