وجواب الأول أنه قد يكون قدّر الكلام مستأنفا ، والنحويون يقدرون فى مثل ذلك مبتدأ كما قالوا فى «وتشرب اللّبن» فيمن رفع : إن التقدير : وأنت تشرب اللبن ، وذلك إما لقصدهم إيضاح الاستئناف ، أو لأنه لا يستأنف إلا على هذا التقدير ، وإلا لزم العطف الذى هو مقتضى الظاهر.
وجواب الثانى أن الفاء نزّلت الجملتين منزلة الجملة الواحدة ، ولهذا اكتفى فيهما بضمير واحد ، وحينئذ فالخبر مجموعهما كما فى جملتى الشرط والجزاء الواقعتين خبرا ، والمحل لذلك المجموع ، وأما كل منهما فجزء الخبر ؛ فلا محل له ، فافهمه فإنه بديع.
ويجب على هذا أن يدعى أن الفاء فى ذلك وفى نظائره من نحو «زيد يطير الذّباب فيغضب» قد أخلصت لمعنى السببية ، وأخرجت عن العطف ، كما أن الفاء كذلك فى جواب الشرط ، وفى نحو «أحسن إليك فلان فأحسن إليه» ويكون ذكر أبى البقاء للعطف تجوزا أو سهوا.
ومما يلحق بهذا البحث أنه إذا قيل : «قال زيد عبد الله منطلق وعمرو مقيم» فليست الجملة الأولى فى محل نصب والثانية تابعة لها ، بل الجملتان معا فى موضع نصب ، ولا محل لواحدة منهما ؛ لأن المقول مجموعهما ، وكل منهما جزء للمقول ، كما أن جزأى الجملة الواحدة لا محل لواحد منهما باعتبار القول ، فتأمله.
الثالث : المبدلة كقوله تعالى : (ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ) فإنّ وما عملت فيه بدل من ما وصلتها ، وجاز إسناد يقال إلى الجملة كما جاز فى (وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها) هذا كله إن كان المعنى ما يقول الله لك إلا ما قد قيل ، فأما إن كان المعنى ما يقول لك كفار قومك من الكلمات المؤذية إلا مثل ما قد قال الكفار الماضون لأنبيائهم ، وهو الوجه الذى بدأ به الزمخشرى ، فالجملة استئناف.