من تعنتهم وتكرر سؤالهم ، ولما كثر استعمال مثل هذا فيمن انتفت عنه مقاربة الفعل أولا ثم فعله بعد ذلك توهّم من توهم أن هذا الفعل بعينه هو الدالّ على حصول ذلك الفعل بعينه ، وليس كذلك ، وإنما فهم حصول الفعل من دليل آخر كما فهم فى الآية من قوله تعالى : (فَذَبَحُوها).
التاسع عشر : قولهم فى السين وسوف : حرف تنفيس ، والأحسن حرف استقبال ؛ لأنه أوضح ، ومعنى التنفيس التوسيع ؛ فإن هذا الحرف ينقل الفعل عن الزمن الضيق ـ وهو الحال ـ إلى الزمن الواسع وهو الاستقبال.
وههنا تنبيهان ـ أحدهما : أن الزمخشرى قال فى (أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ) : إن السين مفيدة وجود الرحمة لا محالة ، فهى مؤكدة للوعد ، واعترضه بعض الفضلاء بأن وجود الرحمة مستفاد من الفعل ، لامن السين ، وبأن الوجوب المشار إليه بقوله لا محالة لا إشعار للسين به ، وأجيب بأن السين موضوعة للدّلالة على الوقوع مع التأخر ، فإن كان (١) المقام ليس مقام تأخر لكونه بشارة تمحّضت لإفادة الوقوع ، وبتحقق الوقوع يصل إلى درجة الوجوب.
الثانى : قال بعضهم فى (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ) : السين للاستمرار ، لا للاستقبال مثل (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ) فإنها نزلت بعد قولهم : (ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ) الآية ، ولكن دخلت السين إشعارا بالاستمرار ، اه.
والحق أنها للاستقبال ، وأنّ (يَقُولُ) بمعنى يستمر على القول ، وذلك مستقبل ؛ فهذا فى المضارع نظير (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا) فى الأمر ، هذا إن سلم أن قولهم سابق على النزول ، وهو خلاف المفهوم من كلام الزمخشرى ؛ فإنه سأل : ما الحكمة فى الإعلام بذلك قبل وقوعه؟
__________________
(١) فى نسخة «فإذا كان ـ إلخ».