فإن ظاهره تفضيل زيد فى العقل على الكذب ، وهذا لا معنى له ، ونظائر هذا التركيب كثيرة مشهورة الاستعمال ، وقلّ من يتنبه لإشكالها ، وظهر لى فيها توجيهان ، أحدهما : أن يكون فى الكلام تأويل على تأويل ، فيؤول أن والفعل بالمصدر ، ويؤوّل المصدر بالوصف ، فيؤول إلى المعنى الذى أراده ولكن بتوجيه يقبله العلماء ، ألا ترى أنه قيل فى قوله تعالى (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى) إن التقدير : ما كان افتراء. ومعنى هذا ما كان مفترى. وقال أبو الحسن فى قوله تعالى (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا) : إن المعنى ثم يعودون للقول ، والقول فى تأويل المقول : أى يعودون للمقول فيهن لفظ الظهار ، وذلك هو الموافق لقول جمهور العلماء : إنّ العود الموجب للكفارة العود إلى المرأة لا العود إلى القول نفسه كما يقول أهل الظاهر ، وبعد فهذا الوجه عندى ضعيف ؛ لأن التفضيل على الناقص لا فضل فيه ، وعليه قوله :
٧٩٠ ـ إذ أنت فضّلت امرأ ذا براعة |
|
على ناقص كان المديح من النّقص |
التوجيه الثانى : أن «أعقل» ضمن معنى أبعد فمعنى المثال زيد أبعد الناس من الكذب لفضله من غيره ، فمن المذكورة ليست الجارة للمفضول ، بل متعلقة بأفعل ، لما تضمنه من معنى البعد ، لا لما فيه من المعنى الوضعى ، والمفضل عليه متروك أبدا مع أفضل هذا لقصد التعميم ، ولو لا خشية الإسهاب لأوردت لك أمثلة كثيرة من هذا الباب لتقف منها على العجب العجاب.
الجهة الرابعة : أن يخرج على الأمور البعيدة والأوجه الضعيفة ، ويترك الوجه القريب والقوى ، فإن كان لم يظهر له إلا ذاك فله عذر ، وإن ذكر الجميع فإن قصد بيان المحتمل أو تدريب الطالب فحسن ، إلا فى ألفاظ التنزيل فلا يجوز أن يخرج إلا على ما يغلب على الظن إرادته ، فإن لم يغلب شىء فليذكر الأوجه المحتملة من