مجمل فهو العطف الذّكري ، كقوله تعالى : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ)(١) وكقوله تعالى : (فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً)(٢) وكقوله تعالى : (وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي)(٣) أو عطف لمجرّد المشاركة في الحكم بحيث يصحّ أن تحل «الواو» محلّها ، كقول الشاعر :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل |
|
بسقط اللّوى بين الدّخول فحومل |
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها |
|
لما نسجتها من جنوب وشمأل |
فالفاء في هذين البيتين تفيد التّرتيب في دخول الأماكن واحدا بعد واحد. ويرى الفرّاء أنها لا تفيد الترتيب مطلقا ، مستدلّا على ذلك بقوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ)(٤) فالبأس في الوجود قبل الإهلاك. وردّ عليه القول بأن الله أراد إهلاكها فجاءها البأس .. وكقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ)(٥) والمعنى : إذا أردتم أن تقوموا إلى الصّلاة فاغسلوا ... وقيل يجوز أن يكون العطف في الآية الكريمة من باب عطف المفصّل على مجمل.
٢ ـ التّعقيب أي : يكون كل شيء بحسبه مثل : «أزهرت الأشجار فأثمرت» فالأثمار على الشجر تعقب تفتح الأزهار عليها.
٣ ـ السّببيّة وذلك غالب في العاطفة جملة أو صفة. فمن عطف الجملة قوله تعالى : (فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ)(٦) ومن عطف الصّفة ، قوله تعالى : (لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ)(٧) وقد تأتي في العطف فيهما لمجرّد التّرتيب دون التّعقيب ولا السّببيّة ، كقوله تعالى : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ)(٨).
ملاحظات
١ ـ إن عطفت «الفاء» مفردا غير صفة ، لا تدل على السببيّة ، مثل : «جاء زيد فخليل» وإن عطفت جملة أو صفة ، دلت على السببيّة غالبا ، كقوله تعالى : (فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ)(٩) .. فقال الزّمخشري : فإن قلت : ما حكم «الفاء» إذا جاءت عاطفة في الصفات؟ قلت : إمّا أن تدل على ترتب معناها في الوجود كقوله :
يا لهف زيّابة للحارث ال |
|
صابح فالغانم فالآيب |
كأنّه قال : الذي صبح فغنم فآب. وإما على ترتبها في التفاوت من بعض الوجوه كقولك : خذ الأكمل فالأفضل ، واعمل الحسن فالأجمل. وإمّا على ترتّب موصوفها في ذلك ، كقولك : «رحم الله المحلّقين فالمقصّرين».
٢ ـ وتعطف الفاء جملة فعليّة على جملة فعليّة مثل : «كسر الولد الابريق فضربه أبوه» أو جملة اسمية على جملة فعليّة ، مثل : «كسر الولد الابريق فضاربه أبوه» أو جملة فعليّة على جملة اسمية ، مثل : «قائم الولد فضربه أبوه» أو جملة
__________________
(١) من الآية ٣٦ من سورة البقرة.
(٢) من الآية ١٥٣ من سورة النساء.
(٣) من الآية ٤٥ من سورة هود.
(٤) من الآية ٤ من سورة الأعراف.
(٥) من الآية ٦ من سورة المائدة.
(٦) من الآية ١٥ من سورة القصص.
(٧) من الآيات ٥٢ ـ ٥٤ من سورة الواقعة.
(٨) من الآية ٢٢ من سورة ق.
(٩) من الآية ١٥ من سورة القصص.