الوعيد إلا إذا بلغ تطفيفه نصاب السرقة. والأكثرون على أن قليله وكثيره يوجب الوعيد. وبالغ بعضهم حتى عد العزم عليه من الكبائر.
وقال الشيخ أبو القاسم القشيري رحمهالله: لفظ المطفف يتناول التطفيف في الوزن والكيل ، وفي إظهار العيب وإخفائه ، وفي طلب الإنصاف والانتصاف ، ومن لم يرض لأخيه المسلم ما يرضاه لنفسه فليس بمنصف. والذي يرى عيب الناس ولا يرى عيب نفسه فهو من هذه الجملة ، ومن طلب حق من الناس ولا يعطيهم حقوقهم كما يطلب لنفسه فهو من هذه الجملة ، والفتى من يقضي حقوق الناس ولا يطلب من أحد لنفسه حقا. ويحكى أن أعرابيا قال لعبد الملك بن مروان: إن المطفف قد توجه عليه الوعيد العظيم الذي سمعت به ، فما ظنك بنفسك وأنت تأخذ أموال المسلمين بلا كيل ووزن؟ ثم زاد في توبيخهم بقوله (أَلا يَظُنُ) فإن كانوا من أهل الإسلام كما روي أن أهل المدينة كانوا يفعلون ذلك فالظن بمعنى العلم ، وإن كانوا كفارا منكري البعث فالظن بمعناه الأصلي. والمراد به أنهم لا يقطعون بالبعث أفلا يظنونه أيضا كقوله (إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ) [الجاثية: ٣٢] وفي الإشارة إليهم بـ (أُولئِكَ) وقد ذكرهم عما قريب تبعيد لهم عن رتبة الإعتبار بل عن درجة الإنسانية. وفي هذا الإنكار ووصف اليوم بالعظم وقيام الناس فيه لرب العالمين بيان بليغ لعظم هذا الذنب كما إذا قال الحالف والله الطالب الغالب الحي القيوم. ففيه تعظيم شأن المقسم عليه. عن النبي صلىاللهعليهوسلم «يقوم الناس مقدار ثلاثمائة سنة من الدنيا لا يؤمر فيهم بأمر». قال ابن عباس: هو في حق المؤمنين كقدر انصرافهم من الصلاة. وفيه أنه إذا ظهر التطفيف الذي يظن به أنه حقير فكيف بسائر الظلامات؟ وحمل بعضهم هذا القيام على ردّ الأرواح إلى أجسادها حتى يقوموا من مراقدهم. وعن أبي مسلم: أراد به الخضوع التام كقوله (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) [البقرة: ٢٣٨] ثم بيّن أن كل ما يعمل من خير أو شر فإنه مكتوب عند الله. وقدم ديوان الشرور لأن المذكور قبله هو وعيد أهل الفجور. وسجين «فعيل» من السجن وهو الحبس والتضييق جعل علما لديوان الشر الجامع لأعمال الكفرة والفسقة والشياطين ، وهو منصرف لأنه ليس فيه إلا العلمية (كِتابٌ مَرْقُومٌ) ليس تفسيرا للسجين بل التقدير: كلا إن كتاب الفجار لفي سجين وإن كتاب الفجار مرقوم. وموقع قوله (وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ) اعتراض تعظيما لأمر السجين ، ولأن ذلك لم يكن مما كانت العرب تعرفه أي ليس ذلك مما كنت تعلمه أنت ولا قومك. وقيل: مرقوم أي مطروح وعلى هذا يكون سجين اسم مكان. ثم اختلفوا ، فعن ابن عباس في رواية عطاء وقتادة ومجاهد والضحاك وعن البراء مرفوعا أنه أسفل أرضين وفيها إبليس وذريته. وعن أبي هريرة مرفوعا أنه جب في جهنم. وقال الكلبي: صخرة تحت