أي تقذفونه في الأرحام. يقال: أمنى النطفة ومناها وقد مر في قوله (مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى) [النجم: ٤٦] (أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ) تقدّرونه وتصورونه. ووجه الاستدلال أن المني إنما يحصل من فضلة الهضم الرابع وهو كالطل المنبث في جميع الأعضاء ولهذا تشترك كل الأعضاء في لذة الوقاع ويجب اغتسال كلها لحصول الانحلال عنها جميعا. فالذي قدر على جمع تلك الأغذية في بدن الإنسان ثم على جمع تلك الأجزاء الطلية في أوعيتها ثم على تمكينها في الرحم إلى أن تتكون إنسانا كاملا يقدر على جمعها بعد تفريقها بالموت المقدر بينهم بحيث لا يفوته شيء منها وإلى هذا أشار بقوله (وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلى أَنْ نُبَدِّلَ) أي نحن قادرون على ذلك لا يغلبنا عليه أحد. يقال: سبقته على الشيء إذا أعجزته عنه وغلبته عليه. والأمثال جمع المثل أي على أن نبدل مكانكم أشباهكم من الخلق و (فِي ما لا تَعْلَمُونَ) أي في خلق ما لا تعلمونها وما عهدتم بمثلها ، يريد بيان قدرته على إنشائنا في جملة خلق تماثلنا أو خلق لا تماثلنا. وجوز جار الله أن يكون جمع مثل بفتحتين والمعنى إنا قادرون على تغيير صفاتكم التي أنتم عليها وإنشاء صفات لا تعلمونها. ثم ذكرهم النشأة الأولى ليكون تذكيرا بعد تذكير فقال (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ) الآية. ثم دل على كمال عنايته ورحمته ببريته مع دليل آخر على قدرته قائلا (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ) من الطعام أي تبذرون حبه (أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ) أي تجعلونه بحيث يكون نباتا كاملا يستحق اسم الزرع. وفي الكشاف عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم «لا يقولن أحد زرعت وليقل حرثت» والحطام ما تحطم وتكسر من الحشيش اليابس. وقوله (فَظَلْتُمْ) أصله فظللتم حذفت إحدى اللامين للتخفيف وهو مما جاء مستعملا غير مقيس عليه. ومعنى (تَفَكَّهُونَ) تعجبون كأنه تكلف الفكاهة. وعن الحسن: تندمون على الإنفاق عليه والتعب فيه أو على المعاصي التي تكون سببا لذلك. من قرأ (إِنَّا) بالخبر فواضح ويحسن تقدير القول أو لا بد منه ، ومن قرأ بالاستفهام فللتعجب ولا بد من تقدير القول أيضا. ومعنى (لَمُغْرَمُونَ) لمهلكون من الغرام الهلاك لهلاك الرزق ، أو من الغرامة أي لملزمون غرامة ما أنفقنا (بَلْ نَحْنُ) قوم (مَحْرُومُونَ) لا حظ لنا ولو كنا مجدودين لما جرى علينا ما جرى ورفضوا العجب من حالهم ، ثم أسندوا ذلك إلى ما كتب عليهم في الأزل من الإدبار وسوء القضاء نعوذ بالله منهما. ثم ذكر دليلا آخر مع كونه نعمة أخرى وهو إنزال الماء من المزن وهو السحاب الأبيض خاصة. والأجاج الماء الملح اكتفى باللام الأولى في جواب «لو» عن إشاعة الثانية وهي ثابتة في المعنى لأن «لو» شرطية غير واضحة ليس إلا أن الثاني امتنع لامتناع الأول وهذا أمر وهمي فاحتيج في الربط إلى الكلام التوكيدي. ويمكن أن يقال: إن المطعوم مقدم على أمر المشروب والوعيد بفقده أشد وأصعب فلهذا خصت آية المطعوم باللام المفيدة