قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان [ ج ٤ ]

تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان [ ج ٤ ]

527/589
*

يجاب بأن القدرة مع إلقاء العصا. قوله (فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى) [الأعراف : ١٠٧] وفي موضع آخر (فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ) وفي آخر (كَأَنَّها جَانٌ) [النمل : ١٠] عبارات عن معبر واحد لأن الحية اسم جنس يقع على الذكر والأنثى والصغير والعظيم. وأما الثعبان ـ وهو العظيم من الحيات ـ والجان ـ وهو الدقيق منها ـ فبينهما تناف في الظاهر لا في التحقيق ، لأنها حين انقلابها كانت تكون حية صفراء دقيقة كالجان ، ثم تتورم ويتزايد جرمها حتى يصير ثعبانا آخر الأمر. أو أنها كانت في شخص ثعبان وسرعة حركة الجان ولهذا وصفها بالسعي وهو المشي بسرعة وخفة حركة. والعجب أن موسى قال (أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها) فصدّقه الله تعالى في ذلك وجعلها متكئا له بأن كانت أعظم معجزاته. وإنما قلبها حية في ذلك الوقت لتكون معجزة لموسى عليه‌السلام يعرف بها نبوة نفسه فإن النداء والنور والكلام لم يكن في ظهور الدلالة كهذه ، ولأن توالي المعجزات كتتابع الخلع والكرامات. وأيضا لأنه عرضها عليه ليشاهدها ويوطن نفسه عليها حتى لا يخافها عند عدوّه ؛ فالولي يستر العيوب والعدوّ يبرز المناقب في صورة المثالب ، فكيف إذا وجد مجال طعن وقدح؟! وقد مر في «الأعراف» أن الحية كان لها عرف كعرف الفرس ، وكان بين لحييها أربعون ذراعا ، فلما رأى ذلك الأمر العجيب الهائل ملكه من الفزع والنفار ما يملك البشر عند الأهوال حتى ذهل عن الدلائل وأخذ يفر ، ولو أنه بلغ حينئذ مقام (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ) [الذاريات : ٥٠] لم يفر عن شيء. أو لعله لما حصل له مقام المكالمة بقي في قلبه عجب فأراه الله تعالى أنه بعد في نقص الإمكان ولم يفاوت عالم البشرية وما النصر والتثبيت إلا من الله وحده. فقد روي أنه لما قال له ربه : (لا تَخَفْ) بلغ من ذهاب خوفه وطمأنينة نفسه أن أدخل يده في فمها وأخذ بلحييها ، قال الشيخ أبو القاسم الأنصاري : ذلك الخوف من أقوى الدلائل على صدقه في النبوة ، لأن الساحر يعلم أن الذي أتى به تمويه فلا يخافه البتة. وعن بعضهم أنه خافها لأنه عرف ما لقي آدم منها.

قلت : يحتمل أن يكون خوف موسى وهجره إياها من فوات المنافع المعدودة ولهذا علل عدم خوفه بقوله (سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى) قال جار الله : السيرة من السير كالركبة من الركوب. يقال : سار فلان سيرة حسنة. ثم اتسع فيها فنقلت إلى معنى المذهب والطريقة ومنه سير الأولين ، فيجوز أن ينتصب على الظرف أي في طريقتها الأولى حال ما كانت عصا ، أو يكون أعاد منقولا بالهمزة من عاده بنزع الخافض بمعنى عاد إليه فيتعدى إلى مفعولين ، أو يكون المراد بالإعادة الإنشاء ثانيا. ونصب (سِيرَتَهَا) بفعل مضمر في موضع الحال أي سنعيدها تسير سيرتها الأولى حيث كنت تتوكا عليها ولك فيها المآرب التي عرفتها. ثم قوى أمره بمعجزة ثانية فقال (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ) يقال : لكل