المقدّمة
بسم الله الرحمٰن الرحيم
الحمد لله علىٰ ما أولانا إيماناً خالصاً كما آمن به الأنبياء والمرسلون ، والعارفون الموحّدون ، ويقيناً صادقاً كما صدّقته الملائكة المقرّبون ، والأولياء والصالحون .
وسلام علىٰ المرسلين الّذين بلّغوا رسالات ربّهم ، وهو علىٰ ما أصابهم في دعوتهم صابرون ، اُولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة ، واُولئك هم المهتدون ، الّذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون .
والصلاة والسلام علىٰ خير خلق الله الأطهار المصطفين ، محمّد وآله سادة الخلق أجمعين ، وعلىٰ من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، الّذين صبروا وصابروا في ولائهم لأهل البيت المنتجبين ، واُوذوا وقتّلوا وحرقوا ونفوا عن ديارهم ولا زالوا بحبلهم متمَسّكين ، الّذين قال فيهم الإمام الصادق عليه السلام : « نحن صُبّر وشيعتنا أصبر منّا ، وذلك أنا صبرنا على ما نعلم ، وصبروا هم علىٰ ما لا يعلمون » (١) اُولئك الّذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه .
واللعنة الدائمة الماحقة لأعدائهم أجمعين ، الّذين يخادعون الله وما يخدعون إلّا أنفسهم ، فحمّلوا ظهورهم وزر البرايا ، ألا ساء ما يزرون .
إنّ ما اُجمع عليه ، أنّ للإيمان منازل ودرجات ، ومراقي عاليات ، وللمؤمنين الممتحنين صفات مخصوصات ، جعلتهم في الناس مميّزين كبدور نيّرات ، ولأخلاق العوامّ كارهين بل نابذين ، قد يحسبهم الرائي مرضىٰ وما بالقوم من مرض ، ولكنّهم من خوف الله وجلون ، كأنّهم قد خولطوا ، ولقد خالطهم أمر عظيم ، لما كُشف لهم من العذاب الأليم للمجرمين ، والنعيم المقيم للصالحين ، فهم والجنّة كمن قد رآها فهم فيها منعّمون ، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذّبون ، كلّما تلوا سوراً من القرآن العظيم .
هؤلاء الّذين هجرت عيونهم في الليل غمضها ، وأدّت أنفسهم إلىٰ بارئها فرضها ، حتىٰ إذا غلب عليها الكرىٰ ، افترشت أرضها ، وتوسّدت كفّها ، في معشر أسهر عيونهم خوف معادهم ، وتجافت عن مضاجعهم جنوبهم ، وهمهمت بذكر ربّهم شفاههم ،
____________________________
(١) تفسير القميّ ص ٤٨٩ س ١٩ ، البحار ٧١ / ٨٤ ح ٢٧ .