اثْنَتَانِ اتِّبَاعُ الْهَوَى وطُولُ الأَمَلِ ـ فَتَزَوَّدُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا ـ مَا تَحْرُزُونَ بِه أَنْفُسَكُمْ (٣٦٤) غَداً.
قال السيد الشريف رضياللهعنه وأقول إنه لو كان كلام يأخذ بالأعناق ـ إلى الزهد في الدنيا ـ ويضطر إلى عمل الآخرة ـ لكان هذا الكلام ـ وكفى به قاطعا لعلائق الآمال ـ وقادحا زناد الاتعاظ والازدجار ـ ومن أعجبه قوله عليهالسلام ـ ألا وإن اليوم المضمار وغدا السباق ـ والسبقة الجنة والغاية النار ـ فإن فيه مع فخامة اللفظ وعظم قدر المعنى ـ وصادق التمثيل وواقع التشبيه ـ سرا عجيبا ومعنى لطيفا ـ وهو قوله عليهالسلام والسبقة الجنة والغاية النار ـ فخالف بين اللفظين لاختلاف المعنيين ـ ولم يقل السبقة النار ـ كما قال السبقة الجنة ـ لأن الاستباق إنما يكون إلى أمر محبوب ـ وغرض مطلوب ـ وهذه صفة الجنة ـ وليس هذا المعنى موجودا في النار ـ نعوذ بالله منها فلم يجز أن يقول ـ والسبقة النار بل قال والغاية النار ـ لأن الغاية قد ينتهي إليها من لا يسره الانتهاء إليها ـ ومن يسره ذلك فصلح أن يعبر بها عن الأمرين معا ـ فهي في هذا الموضع كالمصير والمآل ـ قال الله تعالى : (قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ) ـ ولا يجوز في هذا الموضع أن يقال ـ سبْقتكم بسكون الباء إلى النار ـ فتأمل ذلك فباطنه عجيب وغوره بعيد لطيف ـ وكذلك أكثر كلامه عليهالسلام ـ وفي بعض النسخ ـ وقد جاء في رواية أخرى والسُّبْقة الجنة بضم السين ـ والسبقة عندهم اسم لما يجعل للسابق ـ إذا سبق من مال أو عرض ـ والمعنيان متقاربان ـ لأن ذلك لا يكون جزاء على فعل الأمر المذموم ـ وإنما يكون جزاء على فعل الأمر المحمود.
٢٩ ـ ومن خطبة له عليهالسلام
بعد غارة الضحاك بن قيس صاحب معاوية على الحاجّ بعد قصة الحكمين
وفيها يستنهض أصحابه لما حدث في الأطراف
أَيُّهَا النَّاسُ الْمُجْتَمِعَةُ أَبْدَانُهُمْ ـ الْمُخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤُهُمْ (٣٦٥) كَلَامُكُمْ يُوهِي (٣٦٦) الصُّمَّ الصِّلَابَ (٣٦٧) وفِعْلُكُمْ يُطْمِعُ فِيكُمُ الأَعْدَاءَ ـ تَقُولُونَ