حيث حذف المفعول الثاني وحده للضرورة الشعريّة ، والتقدير : تظنّي غيره قائما. ومثل :«علمنا أنّ الصّمت أبلغ من الكلام» أي : علمنا بلاغة الصمت ، فالمصدر المؤوّل المثبت ، سدّ مسدّ مفعولي «علم» وقد يكون المصدر بعد تأويله منفيا على اعتبار المعنى قبل التأويل منفيّا ، كقول الشاعر :
الله يعلم أنّي لم أقل كذبا |
|
والحقّ عند جميع النّاس مقبول |
والتقدير : والله يعلم عدم كذب قولي ، ومثال المصدر المثبت قول الشاعر :
تودّ عدوي ثم تزعم أنّني |
|
صديقك إنّ الرأي عنك لعازب |
والتقدير : تزعم صداقتي ، وكقول الشاعر :
إذا القوم قالوا : من فتى؟ خلت أنني |
|
عنيت فلم أكسل ولم أتبلّد |
والتقدير : خلت دعوتي.
خامسا : وقوع فاعل النواسخ وضميرها الأول ضميرين متصلين متّحدين في المعنى مختلفين في النوع أي : أن يكون صاحب الفاعل هو نفسه صاحب المفعول لكن الأول ضمير رفع والثاني ضمير نصب ، مثل : «علمتني مكبّا في تحصيل العلم» ، حيث أن «التاء» في «علمتني» هي الفاعل ، «والياء» ، مفعول به ، وهما راجعان الى صاحب واحد هو المتكلم ، ومثل : «علمتك زاهدا في الدنيا». حيث أن «التاء» في «علمتك» هي الفاعل. «والكاف» مفعول به وهما يرجعان الى المخاطب نفسه ، وكقول الشاعر :
دعاني الغواني عمّهنّ وخلتني |
|
لي اسم فلا أدعى به وهو أوّل |
وفيه «التاء» فاعل «خلتني» «والياء» مفعوله وهما يعودان الى المتكلم نفسه ؛ وهذا الحكم مما تشترك به أفعال أخرى ، مثل : «رأى» الحلميّة والبصريّة و «وجد» بمعنى «لقي» ، و «فقد» و «عدم» ، مثل : «ذهبت الى المدرسة لأوّل مرّة فرأيتني وحيدا» ؛ «رأى» : بمعنى أبصر فاعله «التاء» ومفعوله «الياء» وهما نفس المتكلم ، ومثل :«نمت فرأيتني أسبح في بحر من الفضّة» «رأى» الحلميّة ، وفي «رأيتني» «التاء» «والياء» يعودان الى المتكلم نفسه. ومثل : «وجدتني أخوض في المشكلات» ومثل : «فقدتني إن ندمت على الصّدق» أي : فقدت نفسي ، ومثل : «عدمتني إن غيّرت ثقتي بالأصدقاء» أي : عدمت نفسي.
ويمتنع اتّحاد الفاعل والمفعول به في النواسخ وفي غيرها من الأفعال إذا كان الفاعل ضميرا متصلا مفسّرا بالمفعول به ، فلا يصح القول :«سميرا ظنّ نائما» ، ولا : «عليا نظر» بمعنى :سميرا ظنّ نفسه ، «وعليا ظن نفسه» ، لأن مرجع الضمير هو المفعول به ، أما إن كان الضمير منفصلا صحّ ذلك ، فتقول : «ما ظنّ سميرا نائما إلّا هو» ، «وما نظر عليا إلا هو».
ملاحظات :
١ ـ لا يقع التّعليق في الأفعال الجامدة مثل :«تعلّم» ، و «هب» ، ولا في «رأى» الحلميّة ، ولا في أفعال التحويل ، مثل : «صيّر» ، «ردّ» ، «ترك» ، «اتّخذ» «تخذ» ، «جعل» ، «وهب» ، وذلك لأن ألفاظ التعليق لا تقع بعد الأفعال الجامدة ، ولا بعد أفعال التحويل ، ربّما كان السّبب أن هذه الألفاظ لا تقوى على منعها من العمل الظّاهري فكأنّها غير موجودة.
٢ ـ إذا كان النّاسخ مؤكّدا بمصدر من لفظه ، فلا يجوز الإلغاء ، لأن التوكيد يدلّ على الاهتمام