هل ذهب» وكذلك لا تأتي بعد العاطف بل تتقدّم عليه فتقول : «أو لم تذهب إلى الجامعة؟» وكقوله تعالى : (قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)(١) وكقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(٢) وقوله تعالى : (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ)(٣) وكقوله تعالى : (أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ)(٤) والأصل أن يتقدّم العاطف على حرف الاستفهام فتقول : «وهل ينفع الكذب؟» لكنّ الهمزة لها حق الصّدارة فلا يتقدّم عليها حرف العطف. أمّا الزّمخشري فإنه يقدّر جملة بعد الهمزة تناسب السّياق ليكون كلّ من الحرفين ، حرف العطف والاستفهام في موضعه ، ففي قوله تعالى السّابق (أَفَلا يَعْقِلُونَ)(٥) يكون التقدير : «أيجهلون فلا يعقلون». ولكن لم يسمع هذا عن العرب ولم يطّرد بدليل عدم إمكانيّة هذا التّقدير في قوله تعالى : (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ)(٦).
والاستفهام بالهمزة التي تفيد التّصور يأتي مباشرة بعدها المستفهم عنه ، ويأتي بعده معادل له بعد «أم» فتقول : «أأنت نجحت أم أخوك؟» ومثل : أكتابا اشتريت أم دفترا؟ وكقوله تعالى : (أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ)(٧) والتّقدير : أأنت أم غيرك. فالاستفهام متّصل بين ما قبل «أم» وما بعدها لذلك تسمّى «أم» المتّصلة. ومن معانيها :
١ ـ التّسوية ، إذا وقعت بعد كلمة «سواء» أو «ليت شعري» أو «ما أدري» ويصحّ حلول المصدر محلّها مع ما بعدها ، كقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)(٨) وكقوله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ)(٩) والتّقدير في هذه الآية : «أإستغفرت» حيث حذفت همزة الوصل من الفعل «استغفرت» لدخول همزة التّسوية عليها.
٢ ـ الإنكار وهي التي يكون ما بعدها غير واقع ، كقوله تعالى : (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً)(١٠) وكقوله تعالى : (فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ)(١١). وهمزة الإنكار تنفي ما بعدها ، وتلزم ثبوته إن كان منفيّا ، إذ إن نفي النّفي إثبات ، كقوله تعالى : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ ، وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ)(١٢) ففي هذا الآية إثبات انشراح الصّدر ، لأن همزة الإنكار دخلت على الجملة المنفيّة بـ «لم» فحوّلت معناه إلى الإثبات ، بدليل العطف عليها بالإثبات في كلمة «ووضعنا» وفي كلمة «ورفعنا» وكقوله تعالى (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى ، وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى) (١٣) وكقول الشاعر :
ألستم خير من ركب المطايا |
|
وأندى العالمين بطون راح |
وفيه وردت همزة الإنكار وبعدها منفيّ في
__________________
(١) من الآية ٢٦٠ من سورة البقرة.
(٢) من الآية ١٨٥ من سورة الأعراف.
(٣) من الآية ٦٨ من سورة يس.
(٤) من الآية ٥١ من سورة يونس.
(٥) من الآية ٣٣ من سورة الرّعد.
(٦) من الآية ٦٢ من سورة الأنبياء.
(٧) من الآية ٦ من سورة البقرة.
(٨) من الآية ٦ من سورة المنافقون.
(٩) من الآية ٤٠ من سورة الإسراء.
(١٠) من الآية ١٤٩ من سورة الصّافّات.
(١١) من الآيات ١ ، ٢ ، ٣ من سورة الانشراح.
(١٢) من الآية ٦ من سورة الضّحى.