عند تفويض جميع الأمور إلى الخالق ، وإظهار التبري من الحول والقوة ، ومن الاستعانة بغير المعبود الحق من الأفلاك والكواكب والطبائع وغيرها كائنا من كان الوجه الثاني أن محمدا صلىاللهعليهوسلم إنما دعا الخلق إلى ما يشبه دين أبيه إبراهيم عليهالسلام ، ومن المشهور فيما بين أهل الأديان أنه ما كان يدعو إلى عبادة فلك ولا طاعة كوكب ولا سجدة صنم ولا استعانة بطبيعة ، بل كان مائلا عن الملل الباطلة بعيدا عنها بعد المركز عن جميع أجزاء الدائرة ولهذا شرف بقوله : (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) وهذه جملة معترضة والسبب في إيرادها أن يعلم أن من كان في علو الدرجة بهذه الحيثية كان جديرا بأن تتبع طريقته. قال العلماء : إن خليل الإنسان هو الذي يدخل في خلال أموره وأسراره وقد دخل حبه في خلال قلبه ، ولما أطلع الله تعالى إبراهيم عليهالسلام على الملكوت الأعلى والأسفل ودعا القوم مرة بعد أخرى إلى توحيد الله ومنعهم عن عبادة النجوم والقمر والشمس وعن عبادة الأوثان ، ثم سلم نفسه للنيران وولده للقربان وماله للضيفان ، ثم جعله الله إماما للناس ورسولا إليهم وبشره بأن الملك والنبوة في ذريته إلى يوم الدين كان خليلا لله ، لأن خلته عبارة عن إرادة إيصال الخيرات والمنافع. وقيل : الخليل ، هو الذي يوافقك في خلالك وقد قال صلىاللهعليهوسلم : «تخلفوا بأخلاق الله» فلما بلغ إبراهيم عليهالسلام في مكارم الأخلاق مبلغا لم يبلغه من تقدمه فلا جرم استحق اسم الخليل. وقيل : الخليل الذي يسايرك في طريقك من الخل وهو الطريق في الرمل ، فلما كان إبراهيم منقادا لكل ما أمر به مجتنبا عن كل ما نهى عنه فكأنه ساير ووافق أوامر الله تعالى ونواهيه فاستحق اسم الخليل لذلك. هذا من جهة الاشتقاق ، وأما من قبل أسباب النزول فعن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : يا جبريل بم اتخذ الله إبراهيم خليلا؟ قال : لإطعامه الطعام يا محمد. وقال عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزي : دخل إبراهيم فجأة فرأى ملك الموت في صورة شاب لا يعرفه ، فقال إبراهيم عليهالسلام : بإذن من دخلت؟ فقال : بإذن رب المنزل. فعرفه إبراهيم عليهالسلام. فقال له ملك الموت : إن ربك اتخذ من عباده خليلا. قال إبراهيم : ومن ذلك؟ قال : وما تصنع به؟ قال : أكون خادما له حتى أموت. قال : فإنه أنت. وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : أصاب الناس سنة جهدوا فيها فحشدوا إلى باب إبراهيم يطلبون الطعام ، وكانت الميرة له كل سنة من صديق له بمصر ، فبعث غلمانه بالإبل إلى خليله بمصر يسأله الميرة ، فقال خليله : لو كان إبراهيم إنما يريده لنفسه احتملنا ذلك له ولكنه يريد للأضياف وقد دخل علينا ما دخل على الناس من الشدة ، فرجع رسل إبراهيم فمروا ببطحاء فقالوا : لو أنا احتملنا من هذه البطحاء ليرى الناس أنا قد جئنا بميرة إنا لنستحي أن نمرّ بهم وإبلنا فارغة ، فملؤا تلك الغرائر. ثم إنهم أتوا إبراهيم وسارة نائمة فأعلموه ذلك فاهتم إبراهيم لمكان الناس فغلبته عيناه فنام واستيقظت