والضمير في (لِأَبَوَيْهِ) يعود إلى الميت المعلوم من سياق الكلام في الميراث و (لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا) بدل من (لِأَبَوَيْهِ) بتكرير العامل. وفائدة هذا البدل أنه لو قيل : ولأبويه السدس لأوهم اشتراكهما فيه. ولو قيل : ولأبويه السدسان لأوهم قسمة السدسين عليهما بالتساوي أو بالتفاوت. ولو قيل : ولكل واحد من أبويه السدس لفاتت فائدة الإجمال والتفصيل والإبهام والتفسير. فقوله : (السُّدُسُ) مبتدأ وخبره (لِأَبَوَيْهِ) وقد توسط البدل بينهما للبيان. واعلم أن للأبوين ثلاث أحوال : الأولى أن يحصل معهما ولد ولا نزاع أن اسم الولد يقع على الذكر وعلى الأنثى فههنا ثلاثة أوجه : أحدها أن يحصل معهما ولد ذكر واحد أو أكثر فللأبوين لكل واحد منهما السدس. والباقي للأولاد بالسوية. وثانيها أن يحصل معهما بنتان أو أكثر ، فالحكم كما ذكر. وثالثها أن يكون معهما بنت واحدة فههنا للبنت النصف وللأم السدس وللأب السدس بحكم الآية ، والباقي للأب بحكم التعصيب. فإن قيل : إن حق الوالدين على الولد مما لا يخفى فما الحكمة في أنه تعالى جعل نصيب الأولاد أكثر ونصيب الوالدين أقل؟ فالجواب ـ والله أعلم ـ أن الوالدين ما بقي من عمرهما إلا القليل غالبا ، أما الأولاد فهم في زمان الصبا فاحتياجهم إلى المال أكثر وأيضا كأنهما قالا بلسان الحال للأطفال : إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا. وأيضا ولد الولد ولد ، وترفيه حال الولد أهم عند الوالدين من ترفيه حالهما. الحالة الثانية أن لا يكون معهما أحد من الأولاد ولا وارث سواهما وهو المراد بقوله : (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ) أي فقط (فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) ويعلم منه أن الباقي يكون للأب فيكون المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين ، ويحصل للأب السدس بالفرضية ، والنصف بالعصوبة ، ولأنه تعالى قيد فرضية الثلث للأم بأن يكون الوارث منحصرا في الأبوين اختلف العلماء في أنه إذا ورثه أبواه مع أحد الزوجين فكيف يكون فرض الأم؟ فقال ابن عباس : يدفع إلى الزوج نصيبه أو إلى الزوجة نصيبها ، وللأم الثلث بحاله والباقي وذهب الأكثرون إلى أن الزوج أو الزوجة لهما نصيبهما ، وثم يدفع ثلث ما بقي إلى الأم والباقي للأب ليكون للذكر مثل حظ الأنثيين كما هو قاعدة الميراث عند اجتماع الذكر والأنثى ، فيكون الأبوان كشريكين بينهما مال ، فإذا صار شيء منه مستحقا بقي الباقي بينهما على قدر الاستحقاق الأوّل. وأيضا الزوج إنما يأخذ سهمه بحكم عقد النكاح لا بحكم القرابة فأشبه الوصية في قسمة الباقي. وعن ابن سيرين أنه وافق ابن عباس في الزوجة والأبوين. فإنا إذا دفعنا الربع إلى الزوجة ، والثلث إلى الأم بقي للأب الثلث ونصف السدس أكثر ما للأم ، وخالفه في الزوج والأبوين لأنه إذا دفع إلى الزوج النصف وإلى الأم الثلث يبقى للأب السدس فيكون للأنثى مثل حظ الذكرين. هذا عكس قوله تعالى : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) الحالة الثالثة أن يوجد معها الإخوة