الجر بإضافة (لَمَّا) إليه. والتقدير : أقلتم حين أصابتكم؟ ويجوز أن تكون الجملة معطوفة على محذوف كأنه قيل : أفعلتم كذا ، وقلتم حينئذ من أين أصابنا هذا ، وكيف نصروا علينا ، ونحن على الحق ومعنا الرسول وهم على الباطل ولا نبي معهم؟ والمراد بالمصيبة واقعة أحد ، وبمثلها وقعة بدر. وذلك أن المشركين قتلوا من المسلمين يوم أحد سبعين ، وقتل المسلمون منهم يوم بدر سبعين وأسروا سبعين ، وقيل : أراد نسبة الضعف في الهزيمة لا في عدد القتلى والأسرى. فالمسلمون هزموا الكفار يوم بدر وهزموهم أيضا في الأولى يوم أحد ، ثم لما عصوا الله هزمهم المشركون فانهزام المشركين حصل مرتين ، وانهزام المسلمين حصل مرة واحدة فخرج عن قوله : (قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها) جواب ضمني يعني أن أحوال الدنيا لا تدوم على حالة واحدة ، فإذا أصبتم منهم مثلي ما نالوا منكم فما وجه الاستبعاد؟ لكنه صرح بجواب آخر فقال : (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) وفي تقريره وجهان : الأول أن هذه المصيبة بشؤم معصيتكم. وذلك أنهم عصوا الرسول في أمور في الخروج عن المدينة وكان رأيه في الإقامة ، ثم في الفشل وفي التنازع وفي مفارقة المركز وفي الاشتغال بطلب الغنيمة. الثاني ما روي عن علي رضياللهعنه أنه قال : جاء جبريل عليهالسلام إلى النبي صلىاللهعليهوسلم يوم بدر فقال : يا محمد إن الله قد كره ما صنع قومك في أخذهم الفداء من الأسارى ، وأمرك أن تخيرهم بين أن يقدموا الأسارى فيضربوا أعناقهم وبين أن يأخذوا الفداء على أن يقتل منهم عدتهم. فذكر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذلك لقومه فقالوا : يا رسول الله عشائرنا وإخواننا نأخذ الفداء منهم فنتقوى به على قتال العدو ونرضى أن يستشهد منا بعددهم. فقتل يوم أحد سبعون رجلا بعدد أسارى بدر. فمعنى (هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) هو بأخذكم الفداء واختياركم القتل. وتمسك المعتزلة بالآية على أن للعبد اختيارا في الفعل والترك ، وأنه من عند نفسه. وعارضهم الأشاعرة بقوله : (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فإن فعل العبد من جملة الأشياء فيكون الله قادرا عليه. فلو وجد بإيجاد العبد امتنع من الله أن يقدر عليه إذ لا قدرة على إيجاد الموجود والحق أن وجود الواسطة لا ينافي انتهاء الكل إلى مسبب الأسباب ويؤيده قوله : (وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللهِ) قال ابن عباس : أي وقع بقضائه وحكمه وفيه تسلية للمؤمنين لأن الرضا بالقضاء لازم. وقيل : بتخليته لأن الإذن مخل بين المأذون له ومراده ، فاستعير الإذن للتخلية ، وإن اعتبرتم المصالح فذاك قد وقع (لِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ) أي ليتميزوا عن أهل النفاق. وإنما لم يقل «وليعلم المنافقين» ليناسب المؤمنين لفظا لأن الغرض تصوير أنهم شرعوا في الأعمال اللائقة بالنفاق في ذلك الوقت وأحدثوها ، ولأنه عطف على الصلة. (وَقِيلَ لَهُمْ) قال الأصم : هذا القائل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، كان يدعوهم إلى