قراءة العلم ، وما ذاك إلا بأن يكون تعلمه لله وتعليمه لله ودراسته لله. فمن اشتغل بالعلم والتعليم والدراسة لا لهذا الغرض خاب وخسر وكان السبب بينه وبين ربه منقطعا وكان مثله كمن غرس شجرة تونقه بمنظرها ولا تنفعه بثمرها ولهذا قال صلىاللهعليهوسلم : «نعوذ بالله من قلب لا يخشع ومن علم لا ينفع» (١) وفي الآية دليل على صحة قوله صلىاللهعليهوسلم : «العلماء ورثة الأنبياء» (٢) تأمل تفهم بإذن الله. (وَلا يَأْمُرَكُمْ) من قرأ بالنصب فوجهان : أحدهما أن تجعل «لا» مزيدة لتأكيد النفي أي ما ينبغي لبشر أن ينصبه الله منصب الدعاء إلى اختصاص الله بالعبادة ثم يخالفه إلى أن يأمر الناس بعبادة نفسه ويأمركم (أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً) كما نقول : ما كان لزيد أن أكرمه ثم يهينني ويستخف بي. والثاني أن يكون حرف النفي غير زائد فيرجع المعنى إلى أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان ينهي قريشا عن عبادة الملائكة ، واليهود والنصارى عن عبادة عزير والمسيح بحيث قالوا له : أنتخذك ربا؟ قيل لهم : ما كان لبشر أن يستنبئه الله ثم يأمر الناس بعبادة نفسه وينهاكم عن عبادة الملائكة والأنبياء ، فيكون عدم الأمر في معنى النهي. ويراد بالنبيين غيره صلىاللهعليهوسلم كأنه أخرج نفسه بتلك الدعوى عن زمرة الأنبياء. ومن قرأ بالرفع على الاستئناف فظاهر وتنصره قراءة عبد الله بن مسعود ولن يأمركم والضمير فيه على قراءة الرفع ـ قال الزجاج ـ لله. وقال ابن جريج لمحمد صلىاللهعليهوسلم ، وقيل : لعيسى. وإنما خص الملائكة والنبيين بالذكر لأن الذين وصفوا بعبادة غير الله لم يحك عنهم إلا عبادة الملائكة وعبادة المسيح. (أَيَأْمُرُكُمْ) أي البشر وقيل : الله (بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ومعنى الاستفهام الإنكار أي إنه لا يفعل ذلك. قيل : وفيه دليل على أن المخاطبين كانوا مسلمين وهم الذين استأذنوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يسجدوا له. قلت : وضع الشيء ابتداء أسهل من رفع نقيضه ثم وضعه ، فيحتمل أن يكون المراد ما صح ولا يعقل أن يأمر النبي صلىاللهعليهوسلم أمته بعبادة نفسه أول ما استنبىء ، فكيف يعقل أن يأمرهم بذلك بعد الفهم بالإسلام واستنارة باطنهم بنور الهدى والإيمان بالله؟
(وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا
__________________
(١) رواه مسلم في كتاب الذكر حديث ٧٣. أبو داود في كتاب الوتر باب ٣٢. الترمذي في كتاب الدعوات باب ٦٨. النسائي في كتاب الاستعاذة باب ٢ ، ١٣. ابن ماجه في كتاب المقدمة باب ٢٣. أحمد في مسنده (٢ / ١٦٧).
(٢) رواه البخاري في كتاب العلم باب ١٠. أبو داود في كتاب العلم باب ١. ابن ماجه في كتاب المقدمة باب ١٧. الدارمي في كتاب المقدمة باب ٣٢. أحمد في مسنده (٥ / ١٩٦).