إلى النور ، ولكنهم ما صاحبوك في الجلوات فإنهم بقوا في السموات وأنت عبرت المكونات (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) [النجم : ٩ ، ١٠] فوصلت من العبدية إلى العندية ، ثم فطمت عن رضاع لي مع الله وقت ، وابتليت بسفارة جبريل ، ثم لقيت من القوم ما لقيت ، فحق لك أن تقول : «ما أوذي نبي مثل ما أوذيت» لأن غيرك ما سقي من شرب ما سقيت فما أوذي بفطام مثل ما أوذيت.
(تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) إشارة إلى أن التفاضل في الدين والدنيا بين العباد ليس بسعيهم ومناهم وإنما هو بتفضيل الله إياهم ، فلكلّ من أهل الفضل أنوار ، ولأنوارهم آثار على قدر استعلاء أضواء أنوارهم لا على قدر سعيهم واختيارهم. وهذا التفاوت صادر من تلك الأقسام حين جرت به الأقلام ، كما قال صلىاللهعليهوسلم : «إن الله خلق خلقه في ظلمة ثم رشّ عليهم من نوره فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ، ومن أخطأه ضل وغوى». ثم إن الفضل فضلان : عام يمتاز به عن المردودين (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) [الأنبياء : ١٠١] ؛ وخاص يمتاز به عن المقبولين كما ثبت لسيد المرسلين. والتفاوت في الأنوار على قدر التفاوت في الظلمات المخلوقة المستعدة لقبول النور في بدر الخلقة لا في حقيقة النور ، فإنه موصوف بالوحدة ، ولهذا ورد بلفظ الوحدان في قوله (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) [الأنعام : ١] (وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) [المائدة : ١٦]. والرفعة في الدرجات في قدر قوة الاستعلاء ، كما قال : (وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) [المجادلة : ١١] فالعلم هو الضوء من نور الوحدانية ؛ فكلما ازداد العلم ازدادت الدرجة ، وعلى قدر غلبات أنوار التوحيد على ظلمات الوجود كانت مراتب الأنبياء بعضها فوق بعض. فقد يبقى بعضهم في مكان من أماكن السموات ، كما روي عنه صلىاللهعليهوسلم أنه رأى آدم ليلة المعراج في السماء الدنيا ، ويحيى وعيسى في السماء الثانية ، ويوسف في السماء الثالثة ، وإدريس في السماء الرابعة ، وهارون في السماء الخامسة ، وموسى في السماء السادسة ، وإبراهيم عليهالسلام في السماء السابعة ، وأن محمدا صلىاللهعليهوسلم ما بقي في مكان بل رفع به إلى سدرة المنتهى ثم إلى قاب قوسين أو أدنى ، لأنه كان فانيا بالكلية عن ظلمة وجوده باقيا بنور شهود ربه ، ولهذا سماه الله نورا (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ) [المائدة : ١٥] : ثم لما أخبر عن فضيلة الخواص بأنها كانت بسبب تفضيله إياهم ، أخبر عن اختلاف العوام وافتراقهم أنه كان بمشيئته لا بمشيئتهم فقال : (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) ثم أخبر عن إحراز الفضل أنه في الإنفاق والبذل فخاطب أهل الإيمان أي : إن كان إيمانكم بالبعث والنشور والثواب والعقاب والجنة والنار حقّا فتصدقوا من كل ما رزقناكم