اما رسائل معاوية الى الحسن ، فقد رأيناها تأخذ ـ على الغالب ـ بأعراض الموضوع دون جوهرياته ، وتفزع في الكثير من مضامينها الى نبش الدفائن وتأريث النعرات الخطرة بين الاخوان المسلمين.
ومن الحق ان نعترف لمعاوية بسبقه استفزاز « الشعور الطائفي » لاول مرة في تاريخ الاسلام. بما كان يقصد اليه من طريق نبش هذه الدفائن ، وتأريث هذه النعرات. فكان بذلك أول داعٍ الى فصم الوحدة التي بنِي عليها دين التوحيد ، والتي هي ـ بحق ـ جوهر اصلاحه وسرّ نجاحه بين الاديان.
وكأنّ معاوية حين عجز عن اصطياد المغفلين من الناس ، عن طريق نفسه أو عن طريق أبيه « أبي سفيان بن حرب » ـ ولهذين الطريقين سوابقهما المعروفة لدى المسلمين بأرقامها وتواريخها ـ رفع عقيرته في رسائله الى الحسن ، باسم أبي بكر وعمر وأبي عبيدة ولوّح فيها بخلاف أهل البيت عليهمالسلام على بيعة أبى بكر ..
وكانت [ رسائل معاوية ] بجملتها لا ينقصها في الموضوع الذي ابردت لاجله الا الحجة لاثبات الحق الشرعي ـ عبر العرش المقدس ـ. وحتى الشبهة المتخاذلة التي كان يصطنعها لمقارعة علي عليهالسلام ، في حروبه الطويلة الامد ، باسم الثأر لعثمان ، قد طويت صفحتها بموت الامام الاول ، وها هو ذا تجاه الامام الثاني ، الذي كان قد جثم بنفسه على باب دار عثمان يوم مقتله ، يدافع الناس عنه ، حتى لقد « خضب بالدماء » كما يحدثنا به عامة المؤرخين ، ويقول الطقطقي في تاريخه (١) : « ان الحسن قاتل عن عثمان قتالاً شديداً ، حتى كان يستكتفه وهو يقاتل عنه ، ويبذل نفسه دونه .. ».
كل ذلك وعثمان بالموقف الدقيق الذي كان لا يفتأ يؤلب عليه فيه الآخرون ، ويخذله الاقربون (٢).
__________________
١ ـ الفخري ( ص ٧٤ ).
٢ ـ لعل من الخير لمن أراد شرح هذا الاجمال ، أن يرجع الى ما صوره الاستاذ عبد اللّه العلايلي حفظه اللّه ، من احوال المجتمع على عهد عثمان ، في