الاسلوب الخاص ، ابلغ الخطباء وابرعهم اصابة للمناسبات ، وأطولهم خطابة على اختصار الكلمات.
نعم انه يؤبّنه بما لا يسع أحداً في التاريخ أن يؤبن به غيره. وكل تأبين على غير هذا الاسلوب ، كان بالامكان أن يؤبَّن على غراره غيره وغيره من عظماء الناس. اما الاوصاف الفريدة التي ذكرها الحسن لأبيه في هذا التأبين ، فكانت الخصائص العلوية التي لا تصح لغير علي في التاريخ ، ولا يشاركه فيها أحد من العظماء ولا من الاولياء.
انه ينظر اليه من زاويته الربانية ـ نظر امام الى امام ـ فاذا هو الراحل الذي لا يشبهه راحل ولا مقيم ، ولا يضاهيه ـ في شتى مراحله ـ وليٌّ ولا زعيم.
رجلٌ ولكنه الذي لم يسبقه الاولون ولا يدركه الآخرون. وانسان ولكنه بين جبرئيل وميكائيل ، وهل هذا الا الانسان الملائكي. ترفع روحه يوم يرفع عيسى ، ويموت يوم يموت موسى ، وينزل الى قبره يوم ينزل القرآن الى الارض! مراحل كلها بين ملَكٍ مقرّب ونبي مرسلٍ وكتاب منزل ، ومع رسول اللّه يقيه بنفسه. فما شأن مكارم الدنيا ، الى جنب هذه المكرمات الكرائم ، حتى يعرض اليها في تأبينه.
ولعلك تتفق معي الآن الى أن هذا الاسلوب الرائع « الفريد » فيما أبن به الحسن أباه عليهماالسلام ، كان أبلغ تأبين في ظرفه ، وأليقه بهذا الفقيد.
وهذه احدى مواقفه الخطابية ، التي دلت بموهبتها الممتازة على نسبها القريب ، من جده ومن أبيه ( صلى اللّه عليهما وعلى آلهما ). وسيكثر منذ اليوم أمثالها ، من الحسن « الخليفة » عليهالسلام ، بحكم نزوله الى قبول البيعة من الناس ، وبما سيستقبله من طوارئ كثيرة ، تستدعيه للكلام وللقول وللخطابة في مختلف المناسبات.