إلى المعرفة ، فتزول
عنه الخواطر ومنازعة الشكوك والشبهات ، ويستغني عن الاستدلال ، فتخف المحنة. عنه
بذلك ، كما سأل ابراهيم عليه السلام ربه تعالى ان يريه كيف يحي الموتى طلبا لتخفيف
المحنة ، وان كان قد عرف ذلك قبل ان يراه. والسؤال وان وقع بلفظ الرؤية فإن الرؤية
تفيد العلم كما تفيد الادراك بالبصر. قال الشاعر : رأيت الله إذا سمى نزارا * واسكنهم
بمكة قاطنينا واحتمال الرؤية للعلم اظهر من ان يدل عليه لاشتهاره ووضوحه. فقال
الله تعالى لن تراني اي لم تعلمني على هذا الوجه الذي التمسته ، ثم اكد ذلك بأن اظهر
في الجبل من الآيات والعجائب ما دل به على ان المعرفة الضرورية في الدنيا مع
التكليف وبيانه لا يجوز ، فان الحكمة تمنع منها ، والوجه الاول اولى لما ذكرناه
متقدما من الوجوه ، لان موسى (ع) لا يخلو من ان يكون شاكا في ان المعرفة الضرورية
لا يصح حصولها في الدنيا أو غير شاك ، فإن كان شاكا فالشك فيما يرجع إلى اصول
الديانات وقواعد التكليف لا يجوز على الانبياء (ع) ، لا سيما وقد يجوز ان يعلم ذلك
على حقيقته بعض امتهم فيزيد عليهم في المعرفة ، وهذا ابلغ في التنفير عنهم من كل
شئ يمنع منهم ، وان كان موسى عليه السلام عالما بذلك وغير شاك فيه ، فلا وجه
لسؤاله الا ان يقال انه سأل لقومه ، فيعود إلى معنى الجواب الاول. فقد حكي جواب
ثالث في هذه الآية عن بعض من تكلم في تأويلها من أهل التوجيه ، وهو انه قال : يجوز
ان يكون موسى عليه السلام في وقته مسألته ذلك كان شاكا في جواز الرؤية عليه تعالى
، فسأل عن ذلك ليعلم هل يجوز عليه أم لا ، قال : وليس شكه في ذلك بمانع ان يعرف
الله تعالى بصفاته ، بل يجري مجرى شكه في جواز الرؤية على بعض ما لا يرى من
الاعراض في انه غير مخل بما يحتاج إليه في معرفته تعالى ، قال ولا يمتنع ان يكون
غلطه في ذلك ذنبا صغيرا وتكون التوبة الواقعة منه لاجله. وهذا الجواب يبعد من جهة
ان