من المعاصي لا يقع من
الانبياء (ع) من حيث يلزمهم استحقاق الذم والعقاب ، لكنه يجوز ان نتكلم في هذه
المسألة على سبيل التقدير ونفرض ان الامر في الصغائر والكبائر على ما تقوله
المعتزلة ، ومتى فرضنا ذلك لم نجوز ايضا عليهم الصغائر لما سنذكره ونبينه انشاء
الله تعالى. تنزيه الانبياء كافة عن الصغائر والكبائر : (واعلم) ان جميع ما تنزه
الانبياء عليهم السلام عنه ، ونمنع من وقوعه منهم من يستند إلى دلالة العلم المعجز
إما بنفسه أو بواسطة ، وتفسير هذه الجملة ، ان العلم المعجز إذا كان واقعا موقع
التصديق لمدعي النبوة والرسالة ، وجاريا مجرى قوله تعالى له : صدقت في انك رسولي
ومؤد عني. فلابد من ان يكون هذا المعجز مانعا من كذبه على الله سبحانه في ما يؤديه
عنه ، لانه تعالى لا يجوز أن يصدق الكذاب ، لان تصديق الكذاب قبيح ، الجبائي : هو
محمد بن عبد الوهاب الجبائي يكنى بأبي علي وهو من أئمة المعتزلة ورئيس علماء
الكلام في عصره ، وإليه تنسب الطائفة الجبائية. كما قلنا ان الكذب قبيح ، فأما
الكذب في غير ما يؤديه عن الله وسائر الكبائر فانما دل المعجز على نفيها ، من حيث
كان دالا على وجوب اتباع الرسول وتصديقه فيما يؤديه ، وقبوله منه ، لان الغرض في
بعثة الانبياء عليهم السلام ، تصديقهم بالاعلام ، المعجز هو أن يمتثل ما يأتون به
، فما قدح في الامتثال والقبول واثر فيهما ، يجب أن يمنع المعجز منه ، فلهذا قلنا
: انه يدل على نفي الكذب والكبائر عنهم في غير ما يؤدونه بواسطة ، وفي الاول يدل
بنفسه ، فإن قيل : لم يبق إلا أن تدلوا على ان تجويز الكبائر يقدح فيما هو الغرض
بالبعثة من القبول والامتثال ، قلنا : لا شبهة في أن من نجوز عليه كبائر المعاصي
ولا نأمن منه الاقدام على الذنوب ، لا تكون أنفسنا ساكنة إلى قبول قوله أو استماع
وعظه كسكونها إلى من لا نجوز عليه شيئا من ذلك ، وهذا هو معنى قولنا ان وقوع
الكبائر منفر عن القبول ، والمرجع فيما ينفر ومالا ينفر إلى العادات واعتبار ما
تقتضيه ، وليس ذلك مما يستخرج بالادلة والقياس ، ومن رجع إلى العادة علم ما ذكرناه
، وأنه من أقوى ما ينفر عن قبول القول ، فان حظ الكبائر في هذا الباب لم يزد على
حد السخف والمجون والخلاعة ولم ينقص منه. فإن قيل : أو ليس