الجنوب أراد ان ريح الجنوب تميل انوفها وتعطفها. وقال الطرماح : عفايف اذيال أوان يصرها * هوى والهوى للعاشقين صؤر ويقول القائل لغيره : صر وجهك الي ، أي اقبل به علي. ومن حمل الآية على هذا الوجه لابد ان يقدر محذوفا في الكلام يدل عليه سياق اللفظ ، ويكون تقدير الكلام : خذ اربعة من الطير فأملهن اليك ثم قطعهن ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا. وقال قوم ان معنى صرهن اي قطعهن وفرقهن ، واستشهدوا بقول توبة بن الحمير : فلما جذبت الحبل لطت نسوعه * بأطراف عيدان شديد أسورها فادنت لي الاسباب حتى بلغتها * بنهضي وقد كاد ارتقائي يصورها وقال الآخر : يقولون أن الشام يقتل اهله * فمن لي ان لم آته بخلود تغرب آبائي فهلا صراهم * من الموت ان لم يذهبوا وجدودي اراد : قطعهم. والاصل صرى يصري صريا ، من قولهم يأت يصري في حوضه إذا استسقى ثم قطع ، والاصل صرى ، فقدمت اللام وأخرت العين. هذا قول الكوفيين ، وأما البصريون فإنهم يقولون ان صار يصير ، ويصور بمعنى واحد ، أي قطع. ويستشهدون بالابيات التي تقدمت ، وبقول الخنساء : «فظلت الشم منها وهي تنصار» وعلى هذا الوجه لابد في الكلام من تقديم وتأخير ، ويكون التقدير : فخذ اربعة من الطير إليك فصرهن اي قطعهن. فإليك من صلة خذلان التقطيع لا يعدى بإلى. فإن قيل فما معنى قوله تعالى : (ثم ادعهن يأتينك سعيا) وهل أمره بدعائهن وهن احياء أو اموات؟ وعلى كل حال فدعاؤهن قبيح ، لان أمر البهائم التي لا تعقل ولا تفهم قبيح. وكذلك امرهن وهن اعضاء متفرقة اظهر في القبح. قلنا لم يرد ذلك إلا حال الحياة دون التفرق والتمزق. فأراد بالدعاء الاشارة إلى تلك الطيور. فإن الانسان قد يشير إلى البهيمة بالمجئ أو الذهاب فتفهم عنه. ويجوز ان يسمي ذلك دعاء. اما على الحقيقة أو على المجاز. وقد قال ابو جعفر الطبري أن ذلك ليس بأمر ولا دعاء ، ولكنه عبارة