كانت حالته في رؤية القمر والشمس ، وانه لما رأى ان افولهما قطع على حدوثهما واستحالة الهيتهما ، وقال في آخر الكلام : «يا قوم اني برئ مما تشركون ، اني وجهت وجي للذي فطر السموات والارض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين». وكان هذا القول منه عقيب معرفته بالله تعالى ، وعلمه بأن صفات المحدثين لا يجوز عليه تعالى. فان قيل : كيف يجوز ان يقول عليه السلام هذا ربي ، مخبرا ، وهو غير عالم بما يخبر به ، والاخبار بما لا يأمن المخبر ان يكون كاذبا فيه قبيح. وفي حال كمال عقله ولزوم النظر لابد من ان يلزمه التحرز من الكذب ، وما جرى مجراه من القبح. قلنا عن هذا جوابان : احدهما : انه لم يقل ذلك مخبرا ، وإنما قال فارضا ومقدرا على سبيل الفكر والتأمل ، ألا ترى انه قد يحسن من احدنا إذا كان ناظرا في شيئ ومتأملا بين كونه على احدى صفتيه ، ان يفرضه على احداهما لينظر فيما يؤدي ذلك الفرض إليه من صحة أو فساد ، ولا يكون بذلك مخبرا في الحقيقة. ولهذا يصح من احدنا إذا نظر في حدوث الاجسام وقدمها ان يفرض كونها قديمة ، ليتبين ما يؤدي إليه ذلك الفرض من الفساد. والجواب الآخر : أنه أخبر عن ظنه ، وقد يجوز أنه يظن المفكر والمتأمل في حال نظره وفكره مالا أصل له ، ثم يرجع عنه بالادلة والعقل ، ولا يكون ذلك منه قبيحا. فإن قيل الآية تدل على ان ابراهيم عليه السلام ما كان رأى هذه الكواكب قبل ذلك ، لان تعجبه منها تعجب من لم يكن رآها ، فكيف يجوز ان يكون إلى مدة كمال عقله لم يشاهد السماء وما فيها من النجوم؟ قلنا لا يمتنع أن يكون ما رأى السماء إلا في ذلك الوقت ، لانه على ما روي كان قد ولدته امه في مغارة خوفا من ان يقتله النمرود ، ومن يكون في المغارة لا يرى السماء فلما قارب البلوغ وبلغ حد التكليف خرج من المغارة ورأى السماء وفكر فيها ، وقد يجوز أيضا ان يكون قد رأى السماء قبل ذلك إلا أنه لم يفكر في اعلامها ،