انه منه أتاني ولم
يقل منك أتاني. فإن قيل ، كيف يكنى عمن لم يتقدم له ذكر؟. قلنا : لا يمتنع ذلك ، قال
الله تعالى :
(حتى توارت بالحجاب) ولم يتقدم للشمس ذكر ، وقال الشاعر : لعمرك
ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوما وضاق بي الصدر ولم يتقدم للنفس ذكر.
والشواهد على هذا المعنى كثيرة جدا على انه قد تقدم ذكر ولد آدم (ع) ، وتقدم أيضا
ذكرهم في قوله تعالى :
(هو الذي خلقكم من نفس واحدة) ومعلوم ان المراد بذلك جميع ولد آدم
عليه السلام. وتقدم أيضا ذكرهم في قوله تعالى : (فلما
أتاهما صالحا)
لان المعنى أنه لما أتاهما ولدا صالحا. والمراد بذلك الجنس ، وإن كان اللفظ لفظ
وحدة. وإذا تقدم مذكوران وعقبا بأمر لا يليق بأحدهما ، وجب أن يضاف إلى من يليق
به. والشرك لا يليق بآدم عليه السلام ، فيجب ان ننفيه عنه ، وإن تقدم ذكره وهو
يليق بكفار ولده ونسله فيجب ان نعلقه بهم. (ومنها) ما ذكره أبو مسلم محمد بن بحر
الاصفهاني ، فإنه يحمل الآية على ان الكناية في جميعها غير متعلقة بآدم (ع) وحواء
، فيجعل الهاء في (تغشيها) والكناية في (دعوا الله ربهما) و (اتاهما
صالحا)
راجعين إلى من اشرك. ولم يتعلق بآدم (ع) من الخطاب إلا قوله تعالى : (خلقكم
من نفس واحدة)
قال : والاشارة في قوله : (خلقكم من نفس واحدة) إلى الخلق عامة. وكذلك قوله : (وجعل
منها زوجها)
ثم خص منها بعضهم ، كما قال الله تعالى : (هو
الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة) فخطاب الجماعة بالتسيير ، ثم خص راكب
البحر. وكذلك هذه الآية أخبرت عن جملة أمر البشر بأنهم مخلوقون من نفس واحدة
وزوجها ، وهما آدم وحواء. ثم عاد الذكر إلى الذي سأل الله تعالى ما سأل فلما أعطاه
إياه ، أدعى له الشركاء في عطيته. قال وجايز أن يكون عنى بقوله : (هو
الذي خلقكم من نفس واحدة)
المشركين خصوصا ، إذا كان كل بني آدم مخلوقا من نفس واحدة وزوجها ، ويكون المعنى
في قوله تعالى :
(خلقكم من نفس واحدة)