فإنّ الموضوعات التي يتعلّق بها الأحكام الشّرعيّة يجوز للشارع بيان ضابط في تشخيصها ليرجع إليه عند الشّكّ وهو ليس بعادم النظير كما في اليد والسّوق والفراش وأوصاف المذكورة للمعنى وذلك لعدم انضباط العرف في أمثال هذه الأمور
الثالث قد عرفت أنّ العرف محكم في باب اللّغات ونقول هنا إنّ في المقام تفصيلا وذلك لأنّ الشّكّ إمّا يكون في نفس مفهوم اللّفظ ولا شكّ في حجيّة حكم العرف بأنّ المفهوم ذلك ولا يعتني باحتمال خطئهم لما ذكرنا أنّ الظّنّ في اللّغة حجة وإمّا يكون في تحقق المفهوم في الشّيء الخاصّ أعني الشّكّ في المصداق أو هذا يتصور بوجهين (أحدهما) أن يكون المفهوم معلوما وإنما عرض الشّكّ بسبب العوارض الحاصلة في المصداق كالبلل المشتبهة بالبول ولا شكّ في عدم اعتبار الحكم العرف بكونه مصداقا لذلك المفهوم وذلك ما قيل إنّ الظّنّ ليس بحجة في الموضوعات الصرفة ولذلك لعدم تعلّق ذلك باللّغات ولا بمفهوم اللّفظ ولا دليل على حجيّة الظنّ المطلق هنا بل يجب تحصيل العلم أو الرجوع إلى الأسباب الخاصّة كالبيّنة ونحوها حتى أنه لو قال المتكلّم أكرم العلماء ثم قال زيد عالم لم يجب على المخاطب إكرامه إذا علم جهله لأنّ الرّجوع إلى المتكلم إنّما هو فيما يكون كلامه بصدد الكشف عنه وليس كلامه ذلك مسوقا لبيان مصاديق العلماء حتى يرجع إليه في تعيينه بل تمييز ذلك شأن المخاطب والمتكلّم أيضا لو اعتبر بقوله فإنّما هو من باب البينة (الثاني) أن يكون الشّكّ في المصداق بواسطة عدم تشخيص المعنى فبحكم العرف بوجود المفهوم في ذلك المصداق يعلم أنّ المعنى شيء يشمله وبهذا الاعتبار يدخل في القسم الأول وأيضا يعلم تحققه في ضمن ذلك المصداق وبهذا الاعتبار يدخل في القسم الثاني وهل حكم العرف حجة في هذا القسم محل الإشكال فقيل بعدم حجيّته وذلك لأنّ احتمال خطئهم في تشخيص المعنى أي الاعتبار الأوّل وإن كان لا يعتنى به لكن خطؤهم في تشخيص الموضوعات ليس بعيدا وهو يوجب عدم حصول الظن بقولهم وعلى فرض حصول الظّنّ أيضا لا دليل على حجيّته إذ هو باعتبار الثاني ظنّ في الموضوعات الصّرفة وإن كان بالاعتبار الأوّل ظنا في اللّغات ولا دليل على حجيّة الظنّ في اللغات إذا حصل بتوسّط الظّنّ الحاصل في الموضوعات وقيل بحجيّته لأصالة عدم الخطاء لندرته ولحمل فعل المسلم على الصحّة أقول أمّا حمل فعل المسلم على الصحة فلا دخل له بهذه المواضع وأمّا الأصل المذكور ففيه تفصيل وذلك أنه إن كان هناك احتمال السّهو والنّسيان ونحوهما للصرف فالأصل عدمه لعدم اعتبار العقلاء لهذه الاحتمالات وإن كان احتمال غفلتهم عن صفة كائنة في ذلك المصداق بحيث لو تفطنوا بوجوده لم يحكموا بدخوله تحت المفهوم فلا يجري الأصل إذ لا نسلم ندرته بل هو كثير ربما أوجب عدم حصول الظّنّ بقولهم وذلك كما لو حكموا في