الضّرر لم يجب عليه إعادة الصّلاة وهذا هو الإجزاء الّذي منعوا ثبوته في الأحكام الظّاهريّة وهذا يعطي أنّ الحكم في موارد الضّرر حكم واقعي لا ظاهري فكيف يجتمع هذا مع هذا الوجه الّذي عرفت أنّ مقتضاه كونه حكما ظاهريّا ويمكن الجواب عنه بأنّ رفع الشّارع للحكم في موارد الضّرر ليس لمنقصة في ذات الحكم مانعة عن جعله بل المانع منه إنّما هو محض التّفضل على العباد كما يظهر من سياق قوله عليهالسلام لا ضرر ولا ضرار في الإسلام وحينئذ فإذا اعتقد المكلف انتفاء الضّرر علما أو بالأصل الشّرعي فهو لا محالة يأتي بذلك الفعل ويوقع نفسه في الضّرر وحينئذ فلا ريب أنّ مقتضى التّفضل حينئذ جعل الحكم ليتدارك به ذلك الضّرر لا رفعه كما لا يخفى أو نقول إنّ دليل حجّيّة الأصل كاشف عن وجود مصلحة يتدارك بها مفسدة الوقوع في الضّرر فلا يبقى مانع عن جعل الحكم في الواقع إذ المانع عنه إنّما هو مفسدة الضّرر فإذا ارتفعت بالتدارك لم يبق مانع بعد فرض وجود المصلحة فيه وعدم حدوث منقصة فيه إلاّ مزاحمة المفسدة فتحقق مما ذكرنا فرق آخر بين قاعدة نفي الضّرر المستفادة من العقل وبين حديث نفي الضّرر والضّرار وهو أنّ القاعدة أنّما أثبتت حكما شرعيّا كوجوب العمل بالظّنّ في المقام أو حرمة ارتكاب ما يحتمل الضّرر بخلاف الحديث فإنّه إنّما ينفي جعل حكم متضمن للضرر وليس بنفسه جاعلا للحكم الشّرعي ولهذا لم يتمسك به أحد في مقامنا هذا أعني مقام حجّيّة الظّن وكيف كان فلنرجع إلى ما كنا فيه ونقول إنّ وجوب دفع الضّرر الدّنيوي موقوف على عدم وجود الكاشف عن الانجبار وهو موجود أعني أدلة الأصول الدّالة على انتفاء التّكليف عند الجهل به لكن لا يخفى أنّ هذا إنّما يتم لو ثبت حجّيّة الأصل بالسمع القطعي دون ما لو ثبت بالظّنّي أو بالعقل أمّا الأوّل فلأنّ غاية الأمر حصول الظّنّ بالتدارك وهو لا يوجب رفع احتمال الضّرر الّذي هو موضوع حكم العقل إلاّ أن يمنع من وجوب دفع غير المظنون وأمّا الثّاني فلأنّ حكم العقل بالبراءة إنّما يثمر دفع احتمال العقاب بلا بيان وهو لا ينفع في المقام لأنّ العقل إذا حكم بوجوب دفع الضّرر الدّنيوي المحتمل حكم به الشّرع أيضا لأنّ العقل من أدلة الشّرع فحصل البيان في ذلك فجاز العقاب وارتفع موضوع الأصل أعني عدم البيان فافهم وعلى هذا فيكون الأصل الأوّلي في الأشياء هو الخطر لاحتمال الضّرر الدّنيوي المترتب على احتمال التّكليف وأمّا استدلالهم على أصالة الإباحة ببناء العقلاء ففيه أنّ بناء العقلاء إنّما هو على الإباحة قبل ورود الشّرع وذلك لدوران الأمر حينئذ بين الضّررين في كل من الفعل والتّرك ولهذا يحكم بالإباحة أو من جهة عدم إدراك العقل للمفاسد الخفيّة الّتي يكشف عنها التّكاليف الشّرعيّة ولا نسلم أنّ العقل بعد ملاحظة وجود الشّرع يحكم بالإباحة نعم قد ثبت ذلك بالسمع القطعي ولا كلام فيه وهو كاف في بطلان الدّليل المذكور مع أنّه لو تم فلا يدل على حجّيّة الظّن أيضا وإنّما يدل على لزوم تطبيق العمل على الظّن بالتكليف احتياطا وهذا غير حجّيّة الخبر والظّن