فقد يسمع المركوب ويخطر الراكب بالبال لتلابسهما وغير ذلك وأيضا هو أمر قلبي لا يمكن الاطّلاع عليه فكيف يمكن العلم بالوضع بالرّجوع إلى تبادر أهل اللّسان إذ لا نعلم أنه يخطر ببالهم أو لا ومحض الرّبط الذّهني ليس وضعا بل الحق أن التّبادر وهو فهم المعنى بعنوان أنه مراد كما قاله العصام وهو الّذي يعلم به بالرّجوع إلى أهل اللّسان حيث يحكمون بإرادة المعنى من اللّفظ ويعلم ذلك من علمهم على طبقه وهو لا يحصل بمحض الرّبط الذّهني الحاصل بالاشتهاد فإن حكم السامع بأن هذا المعنى مراد للمتكلّم مبنيّ على أن يعلم أنّ المتكلّم استعمله مع القرينة في ذلك المعنى أو بملاحظة الشهرة أو كان اللّفظ علامة لهذا المعنى عنده وهذا معنى الوضع والأوّلان مفروض العدم والحاصل أن السّامع قبل العلم بأن اللّفظ صار علامة لهذا المعنى عند المتكلم لا يمكن له الحكم بإرادته وإن خطر المعنى بباله لأن محض الخطور لا يكفي في الحكم بالإرادة ولذا قيل إن أصالة إرادة المعنى الحقيقي في الاستعمال مبني على مقدّمات وهي أن اللّفظ موضوع لهذا المعنى والمتكلّم عالم به والغرض من الوضع استعمال اللّفظ بدون قرينة والمتكلّم لم ينصب قرينة فيعلم أنه أراد هذا المعنى أما المعرفة بالنّقل فتحصل بالرّجوع إلى أهل اللّسان وأنّهم هل يلاحظون مناسبة المعنى المشهور مع المعنى الحقيقي أو لا فإذا رأى أنهم لا يعتبرون تلك المناسبة يعلم أن الكثرة وصلت إلى حدّ النقل فإلغاء المناسبة سبب للعلم بالنقل لا التّبادر بل التّبادر أعني الفهم بعنوان المرادية لا يحصل إلاّ بعد العلم بالنقل ويؤيّد ما هو المعروف من أن الحقيقة هو استعمال اللّفظ في الموضوع له من حيث هو كذلك وكذا المجاز فمتى لم يعلم السامع أن المتكلم استعمله في المعنى من حيث إنّه موضوع له كيف يعلم أنّه مراد وكذا في المجاز إذا لم يعلم أنّه استعمله فيه من حيث إنّه غير موضوع له بمناسبة الموضوع له لا يمكن له الحكم بأنّه مراد وبالجملة التّبادر بالمعنى المذكور مسبوق بالعلم بالنّقل نعم بعد ثبوت النّقل بما ذكرنا يكون تبادرهم كاشفا عن الوضع بالنّسبة إلى الجاهل وهو حينئذ عين الجواب الأوّل وبالجملة الجواب الأخير لا يسمن ولا يغني من جوع ولا يتم إلاّ بجعل التّبادر عبارة عن محض الخطور وقد عرفت فساده والباعث على جعله بمعنى الخطور توهم عدم وجوده في المشترك بالمعنى الّذي ذكرنا والجواب أمّا أوّلا فبعدم وجوب انعكاس العلامة كما عرفت وأمّا ثانيا فبوجوده في المشترك أيضا بالمعنى المذكور لتبادر جميع المعاني على أنه مراد لكن على سبيل البدلية فإن احتمال الإرادة كاف في إثبات الوضع لعدم وجود الاحتمال المذكور في المجاز بلا قرينة فإنا إذا رأينا أن السّيّد أمر عبده بإتيان العين فالعبد من باب الاحتياط أتى بالميزان والذهب والفضة نعلم أن احتمال الإرادة