المعقول فإن الضّدين عندهم أمران وجوديّان يتعاقبان على محل واحد بينهما غاية الخلاف فيكون إطلاقه على التّرك مجازا مرسلا بعلاقة المجاورة أو التّلازم لتلازم التّرك مع الأفعال الوجوديّة أو مجاورته معها أو الكليّة والجزئيّة بأن يكون المراد من الضّد مطلق المنافي أو استعارة بعلاقة الشّباهة ويمكن أن يكون إطلاقه عليه مبنيّا على اصطلاح جديد للأصوليّين فإنّ معناه عندهم مطلق المنافي فيصدق على النّقيض أيضا حقيقة ثم إنّ وجه التّسمية إمّا بالخاص فلأنّه أخص من التّرك لتحقق ترك الصّلاة كلما تحقق الأكل مثلا ولا يلزم تحقق الأكل كلما تحقق ترك الصّلاة لتحققه في الشّرب أيضا مثلا ومنه علم وجه كون التّرك ضدا عاما فإنّه أعمّ من الضّد الخاص وعلى القول بجواز خلو الجسم عن الأكوان يكون التّرك أعم من العام بالمعنى الثّاني أيضا وهو أحد الأفعال لجواز تحقق التّرك من دون تحقق أحد الأفعال حينئذ وأمّا على القول بعدم الجواز فبينهما تساو وأمّا وجه تسمية أحد الأفعال ضدا عاما فلأنه أعم من الضّد الخاص إذ كلما تحقق الأكل تحقق أحد الأفعال ولا عكس الثّانية اختلفوا في تعيين محل النّزاع فمنهم من جعله الضّد العام بمعنى التّرك وسكت عن الخاص ومنهم من أطلق لفظ الضّد من غير تعيين ومنهم من جعله الضّد الخاص ونفى الخلاف في العام بمعنى التّرك والعنوان الجامع للأقوال أن يقال إنّ النّسبة بين الأمر بالشّيء وبين النّهي عن ضده هل هي بالتّساوي بمعنى أنّهما منتزعان من شيء واحد وعنوانان له أو بالتّلازم بمعنى أنّ النّهي لازم الأمر أو بالتّضمن بمعنى أن يكون الأمر متضمنا للنهي كالنّسبة بين الكل والجزء أو لا نسبة أصلا ولا ربط مطلقا بل هما متغايران مصداقا ومفهوما ولا ارتباط بينهما أصلا كالحجر والإنسان لكن الأخير لا يجري في الضّد العام بمعنى التّرك لبعد القول بعدم المناسبة بين الأمر بالشّيء والنّهي عن تركه نعم يجري فيه سائر الأقوال وأمّا الخاص فيجري فيه الجميع إلاّ أنّ في تصوير القول بالتّضمن والعينيّة فيه مشكل وسيأتي بيانه ثم إنّ هذا النّزاع لا يختص بالأمر بل يجري في مطلق الطّلب وقد عنونها المتكلّمون في الإرادة والكراهة فقالوا إرادة الشّيء هل تستلزم كراهة ضده أو لا ومن هنا يظهر أنّ المسألة عقليّة كالمسألة السّابقة وسيأتي تفصيل القول في هذا الباب إن شاء الله الثّالثة قد يقال إنّ ذكر هذه المسألة بعد المسألة السّابقة لغو لأنّ هذه من جزئيّات تلك المسألة ولذا استدلوا على الاقتضاء بأنّ التّرك مقدمة وهي واجبة واعتذر عنه بعضهم بأنّ بين المسألتين عموما من وجه فلا تلازم بين وجوب المقدمة واقتضاء الأمر للنّهي عن الضّد لجواز أن نقول بالأوّل دون الثّاني بادعاء أنّ ترك الضّد ليس مقدمة وأنّه يجوز اختلاف المتلازمين في الحكم وأن نقول بهما إمّا بادعاء كون التّرك مقدمة أو لعدم جواز اختلاف المتلازمين وأن نقول بالثاني دون الأول بادعاء أنّ التّرك ليس مقدمة بل الفعل مستلزم له ولا يجوز اختلاف المتلازمين في الحكم وفيه نظر فإنّ من يسلم استلزام فعل المأمور به لترك الضّد ولا يجوز اختلاف المتلازمين لا مناص له عن القول