هنا مطلوب ولا يمكن الحكم بتعيّن أحدهما فيحكم بالتّخيير بين الفعل والتّرك وليس هذا في الواقع تخييرا بين فعل الواجب وتركه بل هو تخيير بين الواجب وبين عنوان آخر يكشف عن ثبوته الأمر بترك ذلك الواجب وإن لم نعلمه تفصيلا كما أنّ في كثير من الأشياء عنوانا باطنيّة لا نعلمها تفصيلا وبهذا يجاب عن الإشكال الوارد في العبادات المكروهة حيث اجتمع الوجوب والكراهة ولا معنى لاجتماع الرّجحان وعدمه وحاصل الجواب أنّه مخير بين فعل الصّلاة في الحمام مثلا وبين تركها بالوجه الّذي بيّنّا وسائر الأجوبة الّتي ذكرها القوم غير تام وسيأتي في محله إن شاء الله إذا علمت ذلك فنقول من العنوانات الّتي ذكرها القوم هو ما ثبت لقصد الحرام لما ورد في الأخبار من ترتب العقاب على إرادة الحرام وما يترتب عليه العقاب هو الحرام النّفسي فلا يكون حرمة القصد بعنوان المقدميّة بل بعنوان آخر ثابت في نفس الأمر وإن نعلمه تفصيلا ويرد عليه إشكالان أحدهما أنّ اللازم من هذا تعدد العقاب على حرام واحد واحد على قصده والآخر على فعله وهو خلاف ما هو المتحقق عقلا وعرفا بل وشرعا أيضا والثّاني أنّ حرمة القصد غير معقول حتى بعنوان المقدميّة لأنّه أمر غير اختياري بل هو من مقولة الكيف وليس من الأفعال قال في التّجريد ومنها يعني ومن الكيفيّات النّفسانيّة الإرادة والكراهة وهما نوعان من العلم ومراده أنّ الإرادة هي اعتقاد النّفع يقينا كان أو ظنا وهي المرجحة لفعل أحد طرفي القدرة عند المعتزلة وقيل إنّ الاعتقاد المذكور هو الدّاعي وأمّا الإرادة فهو ميل يعقب ذلك الاعتقاد وكيف كان ليس من مقولة الفعل ومن هنا فسر الإرادة من جعلها من صفات الذّات في الباري تعالى بالعلم بالأصلح وقيل إنّ الإرادة واسطة بين العلم والعمل والمراد أنّ الإرادة شوق مؤكد ينبعث من القوى المختلفة في الحيوان شدة وضعفا بخلق الله تعالى على حسب قضائه وقدره فيكون عبارة عن الشّوق المؤكد المتعقب للميل المتعقب للتصديق بالغاية المتعقب لتصور الفعل فليس اختياريّا إذ لا يصدر بإرادة وقصد وإلاّ لزم التّسلسل والمناط في الفعل الاختياري حصوله عن قصد وأجيب عن الإشكال الأوّل بأنّ العقاب إنّما هو على المخالفة وهي أمر واحد يمكن انتزاعه من شيء واحد ومن أمور متعددة وبحسب ذلك تختلف شدة وضعفا ولا يلزم تعدد العقاب فإذا قصد الحرام من دون ترتبه انتزع عنوان المخالفة من نفس القصد وإن ترتب عليه الفعل المحرم انتزع منهما وكان أشدّ من السّابق وفيه أنّ في صورة ترتب الفعل إن انتزع المخالفة من الفعل فقط فلا معنى لحرمة القصد نفسيّا وإن انتزع منهما لم يكن مخالفة واحدة لتعدد منشإ الانتزاع المستلزم لتعدد المنتزع فالتّحقيق في الجواب أمّا عن الإشكال الأوّل فسيأتي وأمّا عن الإشكال الثّاني فهو أنّ الإرادة ليست من أنواع العلم للفرق الظّاهر بين قولنا علم وبين نوى وقصد وأراد فما يفهم من الأوّل غير ما يفهم من الأواخر ولا تلازم بينهما أيضا كما يتفق حصول الاعتقاد بالمنفعة في شيء ولا يتعلق به القصد والإرادة ولا هي عبارة عن الشّوق المؤكد للفرق بينهما معنى وعدم