المسألتين فلا يحتاج إلى التّطويل وأمّا الآخرون فهم بين من صرح بأنّ المراد من السّبب هو إرادة الحرام دون سائر الأسباب وبين من أطلق السّبب فيمكن أن يكون مرادهم السّبب بالمعنى المتقدم في مقدمة الواجب احتجوا بأنّ وجوب جميع المقدمات في المسألة السّابقة إنّما هو لأنّ الواجب لا يحصل إلا بالجميع وأمّا في هذه المسألة فلا حاجة إلى ذلك لأنّ الغرض هو ترك الحرام فكل ما كان وجوده موجبا لوجود الحرام فهو حرام وهو السّبب إذ الشّرط لا يلزم من وجوده الوجود فلا حرمة فيه وأيضا المعتبر في الحرمة تعين التّرك والإرادة مما يتعين تركه بخلاف سائر المقدمات لأنّ ترك واحد منهما كاف في ترك الحرام فيكون تخييرا هذا وأنت بعد ما عرفت ما ذكرنا في العنوان السّابق من أنّ الحرام من المقدمات هو الإرادة لأنّه أسبق الأجزاء انتفاء فيكون ترك الحرام مستندا إليه فيكون واجبا تعلم عدم الاحتياج إلى هذا الاستدلال وعدم حرمة غير الإرادة من الأسباب الأخر وفي الوجه الأخير مما استدلوا به نظر من وجوه أمّا أوّلا فلأنّ الحرمة لا ينحصر في التّعييني بل هو التّخييري لا استبعاد فيه كالأختين فإنّ كل واحدة منهما حرام تخييرا ومعناه حرمة الجمع وأمّا ثانيا فلأنّ ترك الحرام إن كان مستندا ومرتبطا بهذه المقدمات فلا يتعين ترك السّبب وإلا فلا حرمة لها لا تعيينا ولا تخييرا بل هي كالحجر الموضوع في جنب الكاتب وأمّا ثالثا فلمنع عدم تعيين ترك البواقي بل هو متعيّن عند هذا القائل وما يتراءى من عدم حرمتها عند عدم إرادة الحرام إنّما هو لأنّ مقدمة الحرام هو الفعل بقصد الوصول إلى الحرام فبعد عدم القصد إلى الحرام ينتفي موضوع حرمة الفعل ولذا لا يتصف بالحرمة لكن هذا الجواب يصح على مذهب من يعتبر القصد في حرمة المقدمة ووجوبها وحاصل القول في مقدمة الحرام أنّ المبغوض ما يستلزم المبغوض وما يستلزم الحرام ليس إلاّ الإرادة فترك الإرادة وهو الصّارف واجب دون سائر الأسباب المصطلحة كالإلقاء في النّار عند النّهي عن الإحراق ويمكن أن يسلم استناده إلى السّبب المصطلح أيضا بتقريب أن يقال كما يترتب أسباب الحرام في الوجود فيوجد الإرادة ثم الإلقاء في النّار والإحراق مستند إلى الإلقاء وهو مستند إلى الإرادة فلا ضرر في ترتب أسبابه في العدم فيكون ترك الإحراق مستندا إلى ترك الإلقاء ويكون ذلك مستندا إلى ترك الإرادة فالوجوب تعلق أوّلا بترك الحرام ثم بترك السّبب المصطلح ثم بترك الإرادة فتأمّل جدا تنبيه قد يتصف مقدمة الحرام بالحرمة النّفسيّة باعتبار عنوان آخر غير عنوان المقدميّة سواء علم ذلك العنوان تفصيلا أو علم ثبوته إجمالا وتوضيح المقام يحتاج إلى ذكر نظائر المسألة فنقول منها تعارض القبيحين وتزاحمهما فإنّ أكل الميتة حرام لكن إذا توقف عليه حفظ النّفس يصير واجبا بعنوان أنّه موجب لحفظ النّفس ومنها فعل الصّلاة في أول المغرب في رمضان فإنّه راجح لكن إذا صارت موجبة لانتظار الرّفقة رجح تركها والفرق بين المثالين أنّ العنوان الثّاني في المثال الأول مزيل لحكم العنوان الأوّل بخلاف المثال الثّاني لجواز الصّلاة في أول الوقت وإن صارت موجبة لانتظار الرّفقة لأنّ كلا من العنوانين